إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 26 يونيو 2011

فوزي خليل يذكر كامل مصطفى


جلست مع الأستاذ فوزي خليل ـ إمام مسجد مصطفى عبد الوهاب بدنقلا ـ فحدثني بشجنٍ عظيم عن الأستاذ الراحل كامل مصطفى، فقال:
(الأستاذ كامل مصطفى عبد المجيد من أوائل الذين عرفتهم في حياتي منذ أن كان ناشئاً في حي السوق بدنقلا، وأول ذكرياتنا حادثة سقوطه في بئر "تفاحة" والتي كانت البئر العذبة الوحيدة في حي السوق حيث كان سكان دنقلا يستقون منها للشرب وسقط بها المرحوم كامل وهو يحاول نشل الماء بالبكارة وهو في السنة الثالثة" أولية".
أستاذ كامل صديق عمري، درس معي كل المراحل التعليمية بدءاً من دنقلا الأولية 1947م، والقولد الأهلية الوسطى 1952م، وافترقنا في المرحلة الثانوية، حيث درس في عطبرة ـ نسبةً لأن أسرته كانت تعيش في مدينة عطبرة، حيث كان والده يعمل نجاراً في السكة حديد ـ ولكن باالرغم من ذلك لم تنقطع صلتنا، حيث كان يقضي إجازاته في مدينة حلفا القديمة مع خالاته، وكنت أنا أعيش مع أسرتي فيها حيث كان يعمل والدي رئيساً لحسابات مجلس ريفي حلفا.
التقينا أيضاً وتزاملنا في بخت الرضا في الفرقة "الدفعة" (23) في عام 1963م وتخصصنا سوياً في نفس المواد(اللغة الانجليزية والعربية والتاريخ). وحضرنا ثورة أكتوبر المجيدة في بخت الرضا وكان المرحوم كامل من أقطاب هذه الثورة وهو الذي قاد مظاهرات كلية المعلمين في مدينة الدويم. وسافر في هذه الثورة إلى الخرطوم.
فاتني أن أقول إن الأخ كامل كان يتمتع بشخصية قيادية تمتلك كل مقومات القيادة والزعامة،  وكان دائما ما يحلحل مشاكل الآخرين، وكانت هذه الأمور تدخله في مشكلات مع المدرسين في المرحلة المتوسطة حينما كان طالباً.
ثم عملنا سوياً في ليبيا وكان يعمل في المنطقة الشرقية، في المدينة التي شنق بها المجاهد عمر المختار مدينة "سلوك". حيث كنت أنا في طرابلس. وكان سفيراً ممتازا للسودان، وكسب محبة وثقة أهل تلك القرية حتى أن أهل القرية كانوا يصرون على أحد أبنائهم ـ وكان عضواً في مجلس قيادة الثورة ـ أن يجدِّد لكامل مصطفى في كل عام ورجع كل زملاؤه بعد أربع سنوات إلا هو فقد ظل أربع سنوات أخرى، وقد اصطحب كل أسرته إلى هناك حيث كانوا يقيمون في منزل كبير بالقرية، حيث كان ذلك الدار محط أنظار أهل القرية الذين أطلقوا عليه "حوش السوادين". وكما عرفت من زملائنا أن أهل هذه القرية كانوا يستشيرون الأستاذ كامل في كل أمورهم ومشكلاتهم.

التقينا مرة أخرى في مدينة عطبرة حيث كنت أعمل معلماً في مدرسة عطبرة الثانوية وكان المرحوم كامل يشغل منصب رئيس اللجان الشعبية بالإقليم الشمالي ـ التي كانت تضم ولايتي الشمالية ونهر النيل.
الأخ كامل كان يحب مدينة دنقلا، وكان يسعى في مساعدة كل زملائه من موقعه السياسي، وأيام أزمة الدقيق كان يحرص على استلام حصة الشمالية كاملة وإرسالها إلى دنقلا في الوقت الذي كانت مدينة عطبرة تعاني من نقص حاد في الخبز.
ومن حرصه على مصلحة مدينة دنقلا أنه كان يجيبني بالرفض ـ لأي طلب أتقدم به إليه باعتباري من أهل دنقلا ـ قائلاً :( أنا ما أحب أشوف أولادنا ما لا قين أستاذ إنجليزي وإنت قاعد في عطبرة بتدرس أولاد نهر النيل وتدخلهم الجامعات، أمشي لينا دنقلا ونحن ما حنخليك تحتاج لي حاجة).
كان رئيساً لنقابة المرحلة المتوسطة لأكثر من دورة وكان مقاتلاً جسوراً لحقوق المعلمين.
بالرغم من كونه كان منتمياً سياسياً لأهل الإنقاذ إلا أنه ما كان يقبل التجاوزات من أي جهة تأتي.

في العام 1992م وفي مدينة دنقلا أخذ بيدي واصطحبني إلى جمعية دنقلا الكبرى "التعاوينية" وقال لهم:( استجيبوا لكل طلب لأستاذ فوزي لأننا لا نريده أن يخرج من مدينة دنقلا لأي سبب).
أستاذ كامل كان معلماً ممتازاً وقد تخرج بتقديرات أكاديمية عالية في اللغتين الإنجليزية والعربية، وكان من المفترض أن يذهب في بعثة إلى إنجلترا حيث كان يختار لها المتقوقون في مادة اللغة الإنجليزية إلا أنه رفض الذهاب لظروف عائلية حيث كان يرعى والدته المريضة).
23 مايو 2011م