إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

في رثاء الأستاذ المرحوم/ مصطفى محمد يس


يـا نـازلاً "قياما"      وقـائـماً هُيـامـا
في الأنفسِ الحزينةِ     المهزومةِ انهـزاما
فالدهـرُ لا يزالُ       يُسيمـهـا الحِـمامـا
والجمعُ لن يصيبَ      من بعده انضماما
والمرء إن يخاللْ       يُكابدِ الفِطاما
وقـلّ أن تجـدْ        في خِلقةٍ دواما
يا بانيَ الأجيالِ         في عزمهم هُماما
الجيلَ حذوَ الجيلِ       مُسترشِداً إمـامـا
تكلّمت أيّامكم           فأفصحت أيّاما
روائعاً ذوائعاً          في خيرنا دواما
يا فَرْطَ من تدنَّى       وفَـرْطَ من تسامى
يا مفتيَ "الإعراب"     فِعالاً اْو كلاما
ومنصفَ المعاني       من وُجْدِنا فِهاما
في الشعر والآداب     ومَنْ لها تحامى
قد أشكلت مواقفٌ      تضمّنت ظـلاما
والحرُ لا يزال         في دينه سَـناما
تبدّتِ الليالي           من بعدكم قِـتامـى
تعطّلت من بعدكم      شـؤونها تماما
فالأنس غاض عنها     واستغرقت إيْـلاما
ودالـتِ السنونُ        فأعقبت أعواما
فـعُدَّت الـمُروءةُ     مـعـرَّةً وذَامَا
و"النحو" لم يجدْ        مِن بعدكم قِواما
للألسن المعطوبةِ       المعتلـةِ انجزاما
واستوحش القريض     أبيـاته يـتامـى
من دنقلا الـكلـيمةِ    إليكمو سلاما
معبّقاً من روحكم       مخلّصاً أنساما
ترحُّماً لروضكـم       مُغَدَّقاً غماما
يا شمسَ ساكنيها        وبـدرَها التماما
يا مانحَ الأزواجِ        في عقدهم إماما
من بعدكم جموعها      تشطَّرت فِئاما
فصالحيها زمرةُ        وميزت لئامـا
الخير يصطفيها         محقِّقاً قـياما
استوطن الإسلامُ        روادها القِـدامى
فأفرضوا مَن بعدهم     مِن خيرهم سهاما
العلم سـاح فيهـا      فأنتجت "علَّاما"
"السيِّد الإدريسـي"      وعترةً كِراما
وعالماً مـبجّلاً         "شيخي علي الإماما"
و"دُتْشِ" و"البَكَّايا"          مَـن دمعُه تَهامى
وذلك "الإِحْميدي"          من أظهر الـكَراما
و"الحافظ السنهوريْ"    و"كامل" المِقـداما
و"الجعفريَ" صـالٍ     "وصالحاً" مناما
و"صابرَ" ابن "السِّيسي"    الباذلَ الـجَمَاما
واذكر "الحِميدي"          الفارسَ الصمْصـاما
و"حافظَ الأمـينَ"       مَن ذكـرُه تنامى
و"وصْفِيَ" المُجيدَ       في الشعر والشَّهاما
و"شاكر"الإماما            الناسك الحماما
فلْيَهْنَكِ الجِوارُ          مسلَّماً مُـقـاما
في زمرة الخِيارِ        ممن حوت "قياما"
وصائراً لموْعدٍ          يا أبا "أساما"
د. محمود محمد أحمد علي     يونيو 2012م

الأحد، 16 ديسمبر 2012

أحمد علي الإمام....بشاشةُ المُحيّا ومَلاحةُ الكلام


لم أسمع بحديث رسول الله r "من عباد الله من إذا رأيته ذكرت الله" ـ أو ما معناه ـ إلا من أحد الصوماليين الذين رأى أحمد علي الإمام فبادره الحديث فذكره، لقد كان بحق تذكّر رؤياه رب العزة مما وهبه وحباه من بهاء وبشاشة تجد راحتها في نفسك إذا ما رأيته. وقد فكرت ساعة في سرّ طلعته البهية أهي من ذكر الله U الذي أعلم مداومته عليه سراً وعلانيةً أم مما يحمل من تداخل القبائل والأفخاذ، فهو الدنقلاوي الجعلي وهذا حدّ علمي وقد يزيد. لكني أرجح الأول فعلمي بالشيخ في ذلك الأمر دقيق، فهو عميق الأثر والعبارة إذا ذكر الله ورسوله.
ومن طرائف ما علمت من شأنه أن أحد الضيوف على السودان ممن يحمل إحدى الجنسيات العربية ـ وكان ذا معرفة لدى أهل بيت الشيخ ـ اتصل يوماً من أيام رمضان بمنزل الشيخ سائلاً عن مكان إفطاره اليوم فأُخبر أن برنامج الشيخ لم يُعلم بعدُ، فطلب الاستفسار ريثما يُعاود الاتصال مساءً ليعلم الخبر، ولمّا أخبر بمكان إفطار الشيخ قال لهم إنه رأى رسول الله r مناماً فدعاه للإفطار معه فاعتذر سول الله r بأنه اليوم يُفطر مع أحمد علي الإمام.
وما عُلم من شأن الشيخ في آخر حياته أنه كانت تأخذه رِعدةٌ من ذكر الله U إذا ذكره أو ذُكر عنده. وكان رحمه الله محتفياً بسيرة رسول الله r حتى أسس له منتدىً أسبوعياً لسيرته r باسم "مجلس السيرة النبوية".
ولحديثه رحمه الله تعالى طلاوة يجدها المستمع له، فقد كان رحمه الله أديباً يعلم من فنون القول ما يستميل به سامعيهن لكنّ ذلك لم يكن سرّ ميل الناس له، فقد قال يوماً في محضر نقاش لبعض الرسائل الجامعية "من أراد أن يُوفق في حديثه فلا ينشغل قبله بالتزوير ـ أي بترتيب ما يود قوله ـ لكن يشغل قلبه بذكر الله U يوفقه الله U في حديثه بأكثر مما كان يأمل منه" أو قولاً في هذا المعنى. فقد كان سرّ بركته من ذكر الله. وأنت تسمع لقوله في المعاني فكأنما تراها تتمشى من أمامك من شدة ولهه بالحق وثقته في الله تعالى وحبه لرسول الله r.
وقد كانت له ملاحة يُزجي بها حديثه، فمن ذلك أنه كان يستشهد ببعض أقوال المغنين، فقد سمعته في بواكير عهدي به وهو يتحدث في أحد مساجد "دنقلا" ـ وهي يوم ذاك غارقة في التبعية الطائفية بين بيتي "الختمية" و "المهدية" مع ما ظهر من بعض رموزها من المنكرات، فعاب على الناس اتباعهم بنقد قول المغني (لَمَّ الريْدْ يِفُوتْ حَدُّ يِبقى مصيرنا في يَدُو) قائلاً كيف يسمح المرء لنفسه أن يكون حكم أمره في يد غيره.
فأنت تجلس أمام الشيخ تجد المتع من كل ناحيةٍ من وجهٍ وضيئٍ وكلامٍ شجيٍ وأنسٍ بالعلم والحكمة وأطايب الحديث.
رحم الله شيخي أحمد علي الإمام كان دنيا وديناً