إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 26 أبريل 2021

مربي الأجيال.. الأستاذ/ كمال جابر ... الإنسان العامر (5)

 ‏‏كمال جابر .. ذكرى في قلوب الطيبين (1)

الذكر هو امتداد العمر على وجه الأرض بعد انتقال المرء، وقد وصف "متنبئ العصر" الشاعر السوري بدوي الجبل ذلك بقوله:

سيذكرُني بغـدَ الفراق أجبَّتي 

              ويبقى من المرءِ الأحاديثُ والذكرُ

وُرُودُ الرُّبَىْ بعدَ الربيعِ بعيدةٌ

              ويُدْنيكَ منها في قواريره العطرُ

فقد أجادَ "متنبئُ العصر" وأبلغَ، وإن كان المعنى في براءة اختراع "حاتم الطائي" كريمِ "طيٍ" وسيدِها، إذ يقول:

 أَمَاوِيّ قد طالَ التَّجنّبُ والهَجْـرُ      

                                            وَقَدْ عَذَرَتْني مِنْ طِلابِكُمُ العُـذْرُ

                                أَمَاوِيَّ إنَّ المالَ غَـادٍ ورائِـحٌ        

                                         وَيَبْقَى مِنَ المالِ الأَحَادِيثُ وَالذِّكْرُ

     من أجل ذلك كانت دعوة إبراهيم عليه السلام ربه:[واجعلْ لّي لسانَ صِدقٍ في الآخِرِين] .. وقال ابن كثيرٍ في تفسيرها:(واجعلْ لي ذكراً جميلاً بعدي أُذكرُ به، ويُقتَدى بي في الخير). وقال الإمام مجاهد بن جبر: (يعني الثناء الحسُن).

وقد ارتبط ذكرُ أستاذنا الراحل بذكرِ أجملِ أيامِ العُمُر لنا وله، وهي ربيع العمر وشبابه لنا وله، فالأستاذ الراحل لم يبلغْ من العمر كهولَتَه حين توفاه الله.. كما ارتبط ذكره بأصدق عطاء الإنسانية وهو التعليم، ومواقِفِه الدائرة بين التنوير والتأديب والمتعة، وهي كما وصفها الزمخشري بقوله:

                       سَهَري لِتنقيحِ العلومِ ألذُّ لِيْ       

                                     مِنْ وَصْلِ غَانِيةٍ وطِيْبِ عِنَاقِ

وقد كان الأستاذ كمال جابر رحمه الله تعالى عطرُها ورحيقُها ونداها ... كما ارتبط ذكره بالصحبة لمعشرٍ من المعلمين وغيرهم، وأصدقُ ما ينطبقُ فيهم قولُ الشاعرِ "الشابُّ الظَّريف" ابن العفيف:

مِنْ مَعْشَرٍ يُهْدَى الدَّلِيلُ بنُورِهِمْ   

                وَيَضِلُّ رُشْداً عَنْ طَريقِ ضَلالِهِ

المرحوم/ كمال جابر والأستاذ أحمد سالم
جَلَسُوا عَلى الفَلَكِ المُحيطِ وَدُونَهُمْ      

                    هَذا الزَّمانُ بِشَمْسِهِ وَهِلالِهِ

     وقد تنوَّع أصدقاء الأستاذ الراحل/ كمال جابر رحمه الله تعالى بين "الصاحبِّ بالجَنْبِ والصاحب ذي القُربى"، وبعض أصدقائه تلاميذه وبعضهم أساتذته. وأقرب الأصحاب ذي القربى له هو الأستاذ القدير/ أحمد سالم علي سالم ـ أمد الله في عمره ـ وهو أشبه الناس به سَمْتَاً وأقربُهُم له نَسَبَاً وأطولُهُم به عَهْداً. قال: (كان الراحل كمال جابر يسبقني بنحو دفعتين في الدراسة، فهو أكبر مني، ومع ذلك كنا لا نفترق من ليلٍ أو نهار)، ويقول عن الراحل الأستاذ/ كمال جابر: (كان كمال جابر رجلْ هادئْ جداً... هدوءْ غيرْ عاديْ.. كان ممتعَ الحديث والمسامرة، لا تكاد تشعر بمرور الزمن الطويل في الحديث معه)، (كنتُ أشْبَهُ الناسِ به.. وكان الناس كثيراً ما ينادونني باسمه "كمال"، حتى إذا اقتربتُ تبيَّنوا أنني لستُ "كمال"، وكثيراً ما كانوا يخلُطُون فينادونه بـ"أحمد" .. وأذكر أن والدَتَه رأتني يوماً من على البعد ـ أيام اعتقاله في "عطبرة" ـ فلما اقتربتُ منها قالت متأثرة: والله يا أحمد شفتك قلبي طارْ افتكرتك "كمال"، وأطرفُ من ذلك أن زوجتي حدثتني أنها قابلت الراحل كمال في بعض الشوارع فأخذت تناديه: يا أحمد يا أحمد. تظنُّني إياه، فالْتَفَتَ إليها وتبسَّمَ، فَعَلِمَتْ أنه كمال جابر)..

      والتَّحدُث للأستاذ/ أحمد سالم يطوِّف بالمرء في ربوع ذكريات "دنقلا" النشأة السليمة والعُشرة الحميمة، وقد كان لـ"دنقلا" أيام صباهم رونقٌ في الخاطر لا يغيب، ووهجٌ في النفس لا ينطفئ. بدأ الأستاذ/ أحمد سالم حديثه لي عن "معهد دنقلا الديني"، الذي بدأ تعليمه الأساس به، وذلك أن والدي "شيخ أبيض"                   

مولانا/ شيخ أبيض

رحمه الله تعالى كان مديراً للمعهد أيام طلبهم فيه، وذكر الأستاذ/   أحمد سالم بعض زملائه فيه، فذكر "سعد عثمان عبد الدائم منصور" و"الجاك السيسي"   و"سعيد صالح علي سليم" و"محمد سعيد محمد أحمد صالح" رحمهم الله تعالى جميعاً.   وقال عن الراحل/ كمال جابر: إنه (دَرَسَ في   مدرسة "دنقلا الأميرية الوسطى" قبل أن ينتقل إلى   مدرسة "مدني الوسطى" متنقلاً مع والده. وعندما   انتقلتُ إلى مدرسة "كريمة الثانوية" صرنا نتراسل   الرسائل الطويلة التي تملأ واجهات ورقة "الفُلُسْكَاب" الأربعَ ولا نَمَلُّها)، (وفي أثناء فترة اعتقاله بمدينة "عطبرة" ذهبتُ إليها في زيارة لأخي الأكبر/ عبد الله سالم الذي كان يعمل

بالجيش في عطبرة، وحاولتُ زيارة كمال جابر ولم أحْظَ، حتى أتمَّ فترة اعتقاله التي امتدت نحواً من ستة أشهر)، و(لم تكن للراحل أيُّ ميولٍ أو أفكارَ يسارية، وكانت مشاركتُهُ في مظاهرة التأييد لانقلاب هاشم العطا من بابِ حماسِ الشباب ليس إلا). (كنَّا شباباً تجمعنا الرياضة حبَّاً وممارسةً)، (لعبتُ لصالح الفريق الأول بمدرسة كريمة الثانوية أيام دراستي بها، ثم لعبت لنادي "النيل" بكريمة، ثم "النادي الأهلي" بدنقلا. ثم أسستُ نادي "الرابطة" دنقلا مع عددٍ من الأصدقاء يومها، منهم الأستاذ كمال جابر

والمأذون حالياً/ عبد الله عبد المجيد. وكانت الفكرة أولاً في العام 1967م أن نؤسس نادياً لأبناء "الحلة الجديدة" وكنتُ حينها طالباً في مدرسة "كريمة" الثانوية، فأقمنا النادي بمنزل الراحلة "آمنة يس الأنصاري" في الحلة الجديدة مقابل "نادي الاتحاد" حالياً من الجهة الغربية، وأطلقنا عليه اسم "نادي أبناء الحلة الجديدة"، على الرغم من كون الأستاذ كمال جابر وعبد الله عبد المجيد من أبناء حي "النصر" يومها، فلم يمنعهم ذلك من إقامة النادي باسم "الحلة الجديدة". ثم انتقل النادي بعد احتياج أصحاب الدار له إلى منزل أولاد "حسنين" النجار
بـ"الحلَّة الجديدة"، ثم احتاج أهل الدار للبيت ودخل أولاد "رومي" في عضوية النادي وهم مِن أبناء حي "دنقلا جنوب" ومِن أقطاب نادي الرابطة التاريخيين، فتمَّ نقلُ النادي إلى بيت "محمد الحاج" غرب "الجامع الكبير" بسوق "دنقلا"، وعندها تمّ حذف كلمة "الحلة الجديدة" من اسم النادي وسُمي بـ"نادي الرابطة". في تلك الأثناء كان عمنا المرحوم/عبده أحمد جابر ـ العم الشقيق للأستاذ/ كمال جابر ـ نائباً للمحافظ، وكان له مكتب في مباني "المديرية" ـ الولاية حالياًـ فذهبت إليه برفقة الراحل/ كمال جابر نطلب قطعة أرض لنُشيِّد عليه النادي، لكنه أمرَ بحفظ طلبنا،   لعله استصغرنا إذ كنا يومها طلاباً بالمرحلة الثانوية، ولكنَّه قابلنا باحترام وأكبر صنيعنا).
عبد الله عبد المجيد
 
المرحوم/ عبد المنعم جابر
 
(توفي   كمال جابر رحمه الله تعالى يوم الخميس، وقد كنتُ قبلها في سفرٍ في الخرطوم، وقدمت "دنقلا"   يوم الثلاثاء لأسمع بمرضه وأنه طريح "مستشفى دنقلا"، فذهبتُ أعوده ووجدتُّه في حالٍ جيدة،   وأخذت أسامره حتى أشفق هو عليَّ من إجهاد السفر، وأخبرني بأن الطبيب قد يسمح له   بالخروج  إلى المنزل غداً، وطلب مني الانصراف والعودة من الغد لأخذه لمنزله، لكنني لمَّا   قدمتُ في الصباح وجدتُّه في حالٍ غير التي تركته عليها، فقد غاب عن الوعي وتغيّرت حاله وعلمت أن الطبيب أمر بسفره وإسعافه في الخرطوم، وظللتُ أهاتف أهله وأتابع علاجه مع أخيه الأستاذ عبد المنعم الذي أخبرني بتأخر حالة المرحوم كمال وأنه ما استجاب للعلاج، وبعد لحظات هاتفني بخبر وفاته).
المرحوم/ سعد عثمان عبد الدائم
(بعد وفاة الراحل كمال جابر ملأ مكانته في صداقتي الأستاذ الراحل/ عبد المنعم جابر، وهو يكبرني والأستاذ كمال
جابر سنَّاً، فكنَّا في شبابنا نُجلُّه مهابةً، ثم صرت صديقاً مقرَّباً له، وقد تكررت المفاجأة لي في وفاة الأستاذ عبد المنعم الذي قابلته لآخر عهدي به في الخرطوم في محطة السفر إلى دنقلا بغير معادٍ ونحن نودِّع أسرنا المتجهة إلى دنقلا، وكان اليوم يوم جُمُعةٍ، فأخبرني أنه مسافرٌ غداً السبت إلى سلطنة عمان في زيارة لمدة أسبوع لبناته المقيمات هنالك، وطلب مني انتظاره في الخرطوم ريثما يعود لنترافق في سفرنا إلى دنقلا، فإذا بي أفاجأ بمهاتفةٍ من ابن عمِّه الأستاذ صلاح جمعة من دنقلا يخبرني بنبأ وفاة عبد المنعم في سلطنة عمان. وأذكر أنه كان معاراً من قبلُ للعمل معلماً في سلطنة عمان، وكان كلما جاء مغادراً إليها يقول لي: إني أخشى أن أرجع إليكم في صندوق. يعني ميِّتاً في نعشٍ. رحمهم الله تعالى رحمةً واسعة).
الراحل الأستاذ/ عبد المنعم جابر

محمد سعيد محمد أحمد صالح





عوض مصطفى









        ومن أهم أصدقاء الراحل الأستاذ كمال جابر هو السيد/ عوض مصطفى إبراهيم، روى لي بداية علاقته بالراحل، فقال:( تعرفتُ على الراحل/ كمال جابر في العام 1972م عندما جئتُ "دنقلا" منقولاً لمحطة الاتصالات اللاسلكية "الكبانية"، وكان الراحل حينها معتقلاً على إثر مشاركته في مظاهرات التأييد لثورة الرائد/ هاشم العطا "التصحيحية لثورة مايو"، وكان رحمه الله حديث المجالس في دنقلا يومها، فكان يطرق سمعي كثيراً اسم كمال جابر، فسألت عنه مِراراً صديقي وصديقه حينها الأستاذ محمد سعيد محمد علي ـ أستاذ اللغة الإنجليزية بالمتوسطة ـ فقام بتعريفي به ذات يوم، وصار يتردد عليَّ في "الكبانية" سائلاً عن حضور الأخ/ محمد سعيد، ولربما لم يجده فقضى يومه ذلك معي حتى توثَّقت علاقتي به فصرنا أصدقاء، وأكثر ما أعجبني فيه قلة كلامه ـ وأنا لا أحب الثرثرة من الرجال ـ كما أنه لم يكن يتكلَّم في الناس إلا بخير، وكنت أعرف من وجهه عدم ارتياحه لأحد الناس بدون ذكره بانتقاص، ولذلك وجدتُ فيه رجلاً فهمني وفهمته. ولكونه كان خالياً من العمل في تلك الأيام بسبب فصله من العمل بعد الإفراج عنه فقد كنت أُصرُّ عليه أن يذهب معي للغداء أو شراب الشاي والقهوة في المقاهي، حتى عاد إلى عمله بعد سعيِ بعض أبناء دنقلا في ذلك وعلى رأسهم الزعيم والأستاذ الراحل/ كامل مصطفى عبد المجيد ..

المرحوم الأستاذ/ كامل مصطفى عبد المجيد
       كنَّا مجموعةً مكونةً من نحو الثمانية، منهم الأساتذة: توفيق حسن عبد الغفار وعكاشة أحمد باشكاتب وسعيد صالح علي سعيد وحسن طه العميري ومحمد سعيد محمد علي وعبد الرحيم عبدربه سليم والسيد/ عبد اللطيف شاطراب... وكان تجمُّعنا غالباً في أماكن محددة، منها ديوان دارنا أو ديوان أحمد باشكاتب أو دكان عبد اللطيف شاطراب في سوق دنقلا أو منزل أحد الأخوة من المجموعة... وكثيراً ما يجمعنا السيد/علي رشيد محمد أمير، وكان رجلاً كبيراً في العمر، وكان يعمل "ترزي أفرنجي" في سوق دنقلا، وهو عمُّ الشاعر محمد زبير رشيد، وكان رجلاً متعلماً من بين خريجيكلية غردون القلائل بدنقلا من أمثال خالنا/ سيد أحمد أبو 

عوف السنهوري وغيره. وكان علي رشيد يحب الشباب ويرعاهم ويقرِّبهم، وهو خالُّ كلٍ من الأساتذة: بشير الحاج وحسن الحاج وموافي محمد عبد الحميد وأخيه كمال.. وكان صديقاً للفنانين عثمان الشفيع وعثمان حسين، والفنان المسرحي خالد أبو الروس، وكنت دائماً ما أجد في داره الفنانين الكبار أمثال الفنان عبد العزيز أبو داوود.. وكنت مرساله بالهدايا لصديقه الفنان عثمان الشفيع، ولهذا فقد أهداني الفنان عثمان الشفيع ساعة يدوية مكافأة منه...

فكنت أنا والمرحوم كمال جابر كثيراً ما نتردد على السيد/ علي رشيد في داره وفي دكانه فقد كان يجيد غناء الحقيبة..

المرحوم/ توفيق حسن عبد الغفار

 من المواقف المؤثرة في حياة الراحل كمال جابر حادثة وفاة شقيقه "عادل" غرقاً في   نهر النيل بدنقلا.. ففي يوم وفاته كنا مع الراحل كمال جابر ومجموعتنا نتسامر في   ضفاف النيل شرق سوق دنقلا قبالة "السرايا"، وكان معنا الأستاذ الراحل توفيق حسن   عبد الغفار ومحمد سعيد محمد علي وعبد الرحيم عبدربه وبعدها جئنا إلى السوق   وفيه سمعنا نبأ غرق بعض أبناء دنقلا، ويبدو أن كمال جابر قد أحسَّ بشيء في   الأمر فصار يسأل بإلحاحٍ عن الغريق، فقيل له إن اسمه "عادل"، وعندها زادت   هواجسه فأصر على الذهاب إلى مكان الغرق وعندها وجد ملابس أخيه عند الشاطئ فعرف أنه الغريق، فحزن وأثرت فيه تلك الوفاة جداً...
 لم يكن الراحل كمال جابر وحده الذي تأخَّر في زواجه ولكن معظم مجموعتنا تأخروا في زواجهم أما عبد اللطيف شاطراب فلم يتزوج حتى وفاته رحمه الله تعالى..

            كنت في الخرطوم وعلمت بخبر مرض الراحل كمال جابر (قالو: كمال جابر وقع   وجايبنو الخرطوم)... أخرتُ رجوعي أملاً في أن ألقاه وأرافقه في مرضه، ثم فجأة علمت أنه جاء إلى الخرطوم وتوفي ولم أكن أعلم عنوان قريبه د. فضول الذي علمت أنه كان يشرف على علاجه، ود. فضول هذا هو أحد أقارب السيد/ علي رشيد الذي كان يرعانا شباباً وزوج ابنته...

 رحم الله كمال جابر كان رجلاً حييّاً وكان رجلاً مربياً... جاء يوماً إلى بيتي يصحبه ابنه "محمد"، وكنت خارجاً من بيتي فوجدتُه خارج البيت، وطلبتُ منه الدخول لكنَّه أبىْ وطلب مني أن أُخرج إليه ابني "مهنّد" الذي كان في عمر ابنه، فناديتُ مهنَّد فأخذ بيديهما بعيداً عني وطلب مني الذهاب، وبعد أيام جاءني وقصّ علي الأمر، وهو أن ابني ضرب ابنه في المدرسة فجاء ابنه إلى البيت وهو يبكي فأصرّت جدته "آمنة حميدة" أن تذهب إلى الضارب وتضربه، ولكنّ ابنها كمال طلب أن يُعالج الأمر على طريقته - وما كان يعلم حتى جاء إلى بيتي أن ضارب ابنه هو ابني -

المرحوم/ سيد أحمد عبد الله أبعوف السنهوري

فتكلَّم إليهما عن صداقتنا وأنهما ينبغي أن يرثا هذه الصداقة فيكونا صديقين، فكان له ما أراد وصارا صديقين حتى يومنا هذا. فانظر إلى أدبه وحيائه وأنه ما أحبَّ ان يُكلِّم ابني أمامي لعله يُحرجه، وقد كان يثق في أني كنت سأعاقب ابني لفعله.

برغم هدوءه رحمه الله إلا أنه كان يغضب جداً إذا قال له أحدٌ: يا شيوعي، وكانت مجموعتنا تستفزه أحياناً بهذه الكلمة لكنّه ما كان يقبلها أيضاً، لكنَّه ما كان يغضب مني إذا مازحتُه بها)..        

المرحوم/ عبد اللطيف شاطراب


الأستاذان/ حسن طه العميري و عبد الرحيم عبدربه 


      أما الرفيق في أهم المواقف في حياة الراحل/ كمال جابر فهو السيد/ محمد عيدروس عيسى السنهوري، الذي رافقه في أصعب أيام حياته وهي أشهُر الاعتقال في أعقاب مشاركة الراحل في تظاهرة التأييد لانقلاب الرائد/ هاشم العطا على حكم الرئيس الأسبق للسودان العقيد/ جعفر نميري. بدأ موقفي في الحديث للسيد/ محمد عيدروس وأنا أصبُّ له الشاي عقب صلاتنا للمغرب سوياً في مسجد الحي الذي يسكن هو فيه، ويواظب على صلاة الجماعة فيه، وطلب هو أن أضع له أكثر من ملعقة للسكَّر في كوبه فتحدثت إليه محذراً من خطورة ذلك في صحته فأجابني بثقةٍ
محمد عيدروس عيسى السنهوري 

في أمره وقال:( هناك الحياة أفضل من هنا)، فسألته أين؟ قال:( في الآخرة، وأنا أكاد أُشاهد يومياً أحد الأموات في أحسن هيئة. وأخيراً رأيت "عبد الحميد الشروني" في أحسن هيئةٍ منظراً وحالاً).

ويُعرف عن السيد/ محمد عيدروس انتماؤه للطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية، وحبُّه للتصوف وشيوخه.

قال عن الراحل كمال جابر:( كان رجلاً صامتاً. وكنّا نلتقي في لقاءات عابرة عن أحوال البلد، ولم يكن لنا تنظيم بالمعنى الدقيق للشيوعيين، ولم نكن في دنقلا على قدر من التنظيم. وعندما قام الرائد/ هاشم العطا بالانقلاب على النميري خرجنا في تظاهرات مؤيدة له إعجاباً بكونه ثورياً، وكُرهاً في النميري الذي كان قد بدأ بمعاداة الشيوعيين على الرغم من كونهم قد أوصلوه للحكم. وكنت في ذلك اليوم الذي فشل فيه انقلاب الرائد هاشم العطا مُنهكاً جداً بالتجهيز لتلك التظاهرة بحيث أني لم أتناول طعاماً منذ إفطار اليوم السابق وأنا في ظهيرة هذا اليوم. وبدأتُ أسمع فشل الانقلاب، فذهبنا والتقينا في عددٍ من إخواننا في إحدى المقاهي التي كنا قد اعتدنا التلاقي فيها، وكانت تقع في موقع عمارة "موباتل" الحالي، وتشاورنا في الأمر، وأحضرنا الراديو لنسمع الأخبار، فسمعنا أحد العسكريين في المذياع واسمه "كباشي" وهو من أبناء "السليم" في دنقلا وهو يعلن عن استعادة الإذاعة من أيدي الانقلابيين وأن النميري سيذيع بياناً على المواطنين في ذلك، ثم علمنا نبأ اعتقال بابكر النور وفاروق حمدنا الله بواسطة العقيد "القذافي" في ليبيا. فاقترحتُ على الإخوان أن نسافر إلى الخرطوم في يومنا هذا، لأننا في الخرطوم نستطيع الإفلات من الاعتقال. ووافقني في هذا الاقتراح المرحوم/ كمال جابر، إلا أن علي عبد الله ـ وكان موظفاً في "البوستة" وهو من أهالي "تنقاسي"، وهو ابن خالة رضوان عبد الله الفيومي ـ أصرَّ على أن نبقى في دنقلا وسط أهلنا فإذا اعتقلنا نكون بين أهلنا، فاقترحت عليهم التصويت على المقترحَيْن ففاز مقترح البقاء في دنقلا، فبقينا. ثم انطلقتِ المظاهرات
المرحوم/ عبد الحميد الشروني

 في دنقلا تأييداً لعودة النميري، وكان من أظهر المشاركين في   مظاهرات عودة النميري من دنقلا الراحلين: سعد عثمان عبد الدائم   وصلاح مرتضى عبده وجمال السيسي والتوم رومي. وكان النميري قد   طالب المتظاهرين بالبلاغ عن الشيوعيين، وزاد البعض بالمطالبة   بسحق الشيوعيين حتى في معتقلاتهم، مثل السيد/ علي عبدون زميلنا   في البنك الزراعي الذي كان من القوميين العرب ويحرِّض الناس في   ذلك، إلى درجة أننا في الاعتقال كنا نحتفظ بالطوب "الحجارة" لندافع   به عن أنفسنا إذا هاجمنا المتظاهرون. 
    رجعتُ إلى بيتنا وأنا في قمة التوتر فلم أستطع المكوث فخرجت أنتقل بين الأهل، فذهبت إلى منزل عمي عبد القادر فلم أستطع المكوث فذهبت إلى منزل خالي محمد علي أبعوف فانهرتُ من الإعياء، وحينها جاءت المظاهرات إلى منزلنا المجاور لمنزل خالي محمد علي، وعندها حضر أبي وعمي سيد أحمد أبعوف، وأرسلوا أخي المرحوم عيسى ليُحضر قهوة من منزلنا لأتقوَّى بها، وفي هذه الأثناء سمعتُ أصوات محركات العربات من أمام مركز البوليس الذي كان يبعد عن منزل خالي بنحو خمسمائة متر، لأنّ دنقلا يوم ذاك كانت تخلو من السيارات تقريباً إلا القليل. فأخبرت الحضور أن هذه العربات قادمة لاعتقالي وطلبت منهم أن أسافر إلى الخرطوم، فلم يستجيبوا لي تقديراً لحالتي الصعبة، وعندما حضر شقيقي المرحوم عيسى بالقهوة قال: إن البوليس بالخارج جاء لاعتقالي. خرجتُ إليهم وقد ذهب عني الخوف ووجدتُ عدداً كبيراً من العسكر وهم يحملون من الأسلحة الشيء الكثير فركبتُ معهم، وكان الوقت ليلاً ودخلت المحبس الذي كان
المرحوم/ صلاح مرتضى عبده

جزءاً من مركز البوليس القائم يومذاك في مكان إدارة الولاية الشمالية الحالية، ووجدتُ هناك عدداً من إخواننا قد سبقوني في الاعتقال، منهم علي عبد الله ومصطفى حسن عبد الرحيم ـ من "سنجة" وكان له دكان في سوق دنقلا لصيانة الراديوهات فهجم عليه المتظاهرون وكسروا دكانه وأصابوه بجروح كثيرة ـ ثم حضر إلينا بدون اعتقال المرحوم كمال جابر وهو يحمل "بطانية"، فسألناه كيف اعتقلوك فقال جئتُ بدون اعتقال لأن العسكر حضروا إلى البيت ووجدوا شقيقي الراحل عبد المنعم جابر وطلبوني ولم يجدوني فجئت طوعاً فاستنكرنا عليه ذلك، ثم حضر السيد/ عوف المحامي من "رومي البكري" وهو متزوج بنت أحمد النزهي، ثم حضر في اليوم التالي تقريباً المرحوم فتحي سعد الدين الحميدي الذي حكى أن الناس تحرشوا به في السوق وهتفوا في وجهه فتمَّ اعتقاله، ثمَّ جاء معتقلاً بعده السيد/ بسطامي الجزولي وكان "مفتش أراضي" من "الزورات"، ولم يكن شيوعياً ولكن وُشي به ظلماً. وبعد ثلاثة أيام جاء أهل دنقلا لزيارتنا، فقال أحد الزوار مستغرباً: أين يوسف؟ فتمَّ إحضار يوسف أحمد مصطفى معتقلاً.

        وكانت الوجبات تأتينا من بيوت المعتقلين وفيه أطيب الطعام لكننا من الفزع الشديد من توقُّع الإعدام ما كنا نستطيع الأكل إلا اليسير جداً، فلو تناول أحدنا بيضة ما كان يزيد عليها، وكان العسكر يلتهمون ما يبقى من الطعام كله. وفي تلك الأثناء كنا لا نُطيق سماع المزياع "الراديو" لأنه ما كان يحمل إلينا خبراً إلا ويزيدنا سوءاً فكانت لنا حساسية شديدة ضد الراديو، إلا أني وبعد أيام في المعتقل وفي طريقي للحمام سمعتُ خبراً في المزياع: "حكمت المحكمة العسكرية على المتهم/ مصطفى خوجلي بعشرين سنة سجن"، ومصطفى خوجلي هو رئيس وزراء انقلاب هاشم العطا، فلو حُكم بالسجن فلن يكون الحكم علينا بالإعدام بدون شك، ففرحتُ جداً ورجعتُ من طريقي قبل أن أصل الحمام وأخبرت الأخوة المعتقلين بالخبر ففرحوا جداً، حتى إن أحدهم سأل من الفرح: هل سيتم إطلاق سراحنا، فقلنا له: نتوقع السجن لخمس سنوات تنقص أو تزيد. ويومها جاءت الوجبات كالمعتاد من البيوت فأكلناها جميعها فرحاً فسألنا العساكر متفاجئين ماذا جرى لكم؟                                                                                                              

المرحوم الأستاذ/ يوسف أحمد مصطفى
  ثمَّ جاء يومٌ تقرر فيه ترحيلنا إلى "عطبرة" واحتشد أهل دنقلا لوداعنا ظناً منهم أننا نُرحَّل للإعدام، وجاءت أمي فاحتضنتني وهي تبكي وأنا صابرٌ علَّها تطمئن، ثم ركبنا. وفي عطبرة وجدنا أفواجاً من
المعتقلين من أنحاء الولاية الشمالية ونهر النيل وفاق عددنا الثلاثمائة في المعتقل. في اليوم التالي من لذهابنا لعطبرة قام السيد/ مصطفى نوري وكيل السكة حديد في عطبرة باستخدام علاقاته بالمسؤولين في عطبرة فاستطاع إطلاق سراح عدد من أبناء دنقلا منهم: مصطفى محمد عثمان شيخ ومحمد هرون سعيد وفتحي سعد الدين ومحمد طاهر نوري ابن أخيه.
 
 

مصطفى محمد عثمان شيخ

المرحوم/ "التوم رومي"
مكثنا في عطبرة أشهر، وكان الراحل كمال جابر يجاورني في تلك الفترة كلها، وكان يلتزم الصمت ويمتاز بالهدوء. وكنا في خلال ليالي الاعتقال يصعد بعضنا على بعض لنجلس على شرفات في أعلى جدار المعتقل نشاهد من خلال نوافذها أفلام السينما التي كانت تجاور السجن، وكانت أيام المعتقل تتخللها المحاضرات وليالي السمر، وكان أحد الإخوة من الشايقية يدعى "السنجك" كان يعمل "كمساري" بالسكة حديد، وكان يلهج بالقصائد الثورية
بلهجة الشايقية يسبُّ فيها النميري ويشحذ همم الناس. وكان طعام السجن بائساً فقد كنا نشرب في الصباح الشاي الأحمر بغير حليب ثم يأتينا الفطور بالفول خالياً من الزيت وما كان يأتينا طعام في العشاء، ويوم إنهاء الإضراب أعُطي كل واحد منا رغيفة واحدة بدلاً من رغيفة ونصف التي كنا نُعطاها في اليوم. وكان البعض منا يصوم ويواظب على صلاته وأذكر من هؤلاء أحدنا يُدعى أمين السيد من أهل "كريمة" وكان وكيل البوستة فيها، وعلى الرغم من كونه كان مصاباً بالقرحة لكنه كان يصوم.

              كنا في سجن عطبرة نعامل بحدَّة أحياناً لكننا كنا نبتهج باليوم الذي تكون فيه الخدمة للسجان/ حسين الجيِّد الذي كان يُحسن تعاملنا، فكان يومه يوم عيدٍ لنا، فيُحيلنا إلى المستشفى لغير سبب لنتمكن من مقابلة أهلنا، فكنت في أيامه أخرج إلى مقابلة أمي التي جاءت إلى عطبرة ومكثت في بيت خال زوجتي/ حسين عبد الودود السنهوري.

الصول/ حسين الجيد

     وذات يوم وأنا أجلس في المستشفى إذ جلس بجانبي أحد الناس فأدخل في جيبي ورقاً ففهمت أنه منشور، ثم قام فغادر، فاستأذنت الحارس لدخول الحمام، فدخلتُ الحمام وقرأت المنشور فوجدتُ فيه إعلان الحزب الشيوعي للمعتقلين في كل السودان للإضراب المفتوح عن الطعام، وأدخلت المنشور في حذائي لأن التفتيش ما كان يشمل خلْعَ الحذاء، وأدخلتُه للسجن وقرأتُه على المعتقلين فالتزموا جميعاً بالإضراب، وكان معنا في ذلك المعتقل الطبيب أخصائي الباطنية/ عبد الغفار عبد الرحيم الذي أكَّد لنا أن الإنسان باستطاعته العيش لمدة أربعين يوماً بغير طعام إلا الماء، فكنا لا نتناول إلا الماء، واستمر الإضراب لمدة أسبوع تدخل فيها الروس فاستجاب لهم النميري بالتوقف عن إعدام بقية المعتقلين فرفعنا الإضراب بعدها، وكنا قد أصابنا الضُعف الظاهر بسبب الإضراب.

      وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال تمَّ الإفراج عن بعضنا وكان منهم الراحل كمال جابر، ثم أُفرِج عنَّا بعد أحد عشر شهراً بدون محاكمات.

       ثم استمرت علاقتي بالراحل كمال جابر، فنلتقي وقد تمَّ فصلنا عن وظائفنا لنسترجع أيام المعتقل ونسأل عن أحوال بعضنا، ولم تتم إعادتي لوظيفتي بالبنك الزراعي إلا بعد خمسة عشر عاماً بعد انتهاء فترة حكم النميري. ولم يكن في دنقلا يوم ذاك تنظيم للشيوعيين ولكن كان الأستاذ بالمدرسة الثانوية/ حسن عبيدي كبير الشيوعيين الذي يزوره البعض اجتماعياً، وكان في دنقلا يومها كذلك المحامي/ حسن عبد الماجد، وهو قريب المحامي/ مصطفى محمد إبراهيم ـ أمين عام الحزب الشيوعي بدنقلا بعد انتفاضة أبريل 1985م ـ وهو الذي أتي به من بعده إلى دنقلا).

المرحوم الأستاذ/ فتحي سعد الدين الحميدي

وختمنا مجلسنا وقد أُذن لصلاة العشاء وأنا أذكِّره بكلامه في أول المجلس وأقول له: (وللآخرةُ خيرٌ لك من الأولى)، فقال: (لا شك أن الآخرة خيرٌ من الأولى، والواحد مِنَّا يحرصُ على صلاة الجماعة، وأنا ولله الحمد أحرص على ألا تفوتني تكبيرة الإحرام). ثم قمنا إلى الصلاة في المسجد.
 
 
 
 
 
 
السيد/ محمد عيدروس السنهوري

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 








الاثنين، 1 فبراير 2021

 

مربي الأجيال.. الأستاذ/ كمال جابر ... الإنسان العامر (4)

الأستاذ/ كمال جابر ... سيرةٌ وسريرة (3)

    

(بيتٌ دعائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ)

إن المتصل بسيرة أستاذنا الراحل من أصدقائه وطلابه سريعاً ما يُدركُ الأثرَ البالغَ له وقدرَتَه في التأثير بشتى الطرق في المُتَلقِّي، وذلك أثناء حديثه أو حركته بل حتى تعبيره بالسكون الذي كان الأبلغَ منه. وإن الأثرَ المتعلق بصلاحِ وتهذيبِ الشخصية هو أسمى مهاراته وأفضلُ قدراته، كيف لا وهو المعلِّم الرسالي المصقول بالمعرفة والمهارات والمواههب، فضلاً عن النفس الشفيفة والروح الطيبة وصدق الأحاسيس ... 

لم يقتصر بذل الراحل لكل تلك الصلات على أسرته الممتدة لا الصغيرة، بل لم يقتصر عطاؤه من ذلك على أصدقائه وخلانه، بل لم يقتصر عطاؤه من ذلك على طلابه وتلاميذه... فقد عُرف كمال جابر الإنسان بكل تلك الصفات في مجتمع مدينة دنقلا، ولكنَّ بيتَه الكبير وبيتَه الصغير أشهدُ في ذلك الفضل وأَبْيَنُ لرحاب ذلك الجِنَان وفضلِ ذلك الإنسان... يَصدُق في حقهما قول الفرزدق:

                فَرعانِ قَد بَلَغَ السَماءَ ذُراهُما      وَإِلَيهِما مِن كُلِّ خَوفٍ يُعقَلُ

فقد زان بيْتَيْه حلمٌ وعلمٌ وأدبٌ يرفع الشأن في الحياة شُكراً وبعد الممات ذِكراً، وذلك لأكثر من واحدٍ من البيتين رجالاً ونساءً.

ارتبط الأستاذ الراحل طول حياته بوالدته الحاجة/ آمنة حِمّيْدة، صلةً وبِراً وملازمةً، فقد مكث شطر حياته الزوجية الأول مقيماً في "البيت الكبير" ـ منزل المرحوم والده ـ تقديراً لوالدته التي ما كانت تطيق فراق ذلك المكان الذي ضمّ أجمل ذكريات العمر مع مَن مضى مِن الأحبة، زوجها/ الشيخ جابر وابنها وحبيبها المرحوم/ عادل....

تروي السيدة/ نعمات عشيري عن الأستاذ الراحل بقولها:(كانت علاقته بأمِّه قوية جداً إلى درجة لا يمكن تخيلها، وقد تُوُفِيَتْ بعده بسنتين)، وقالت: كان يخدمها في كل شأنها فيُسارع إلى نعليها يُعدِّلها مخافة ن تتعثر بها. وكان أثناء وجوده في دولة "اليمن" إذا أحضر أكلاً شهياً يتحسَّر على
والدته التي لم تشهد معه ذلك الطعام... وصلة الراحل وبرُّه بوالدته كان مشهوداً بين أصحابه من أهله وغيرهم، وقد ذكر ذلك عنه صديقه السيد/ عوض مصطفى إبراهيم.

وأثر الوالدة الحاجة/ آمنة حميدة في شخصية الراحل بادية، فقد حفرت فيه وأبلغت في الطابَع. وقد وصفت السيدة نعمات زوج الراحل الحاجة آمنة حميدة بأنها "كانت شخصيتها قوية، وتتمسك بما ترى جداً). وهي بذلك تصدِّق قول أمير الشعراء شوقي في وصف أثر الأمِّ في الولد بقوله:

 

الشاعر/ أحمد شوقي

  لَولا التُّقى لَقُلتُ لَم     

                يَخلُق سِواكِ الولَدا

  إِن شِئتِ كانَ العَيرَ أَوِ     

            اْنْ شِئتِ كانَ الأَسَدا   

  وَإِن تُرِد غَيّاً غَوى   

                أَو تَبغِ رُشداً رَشَدا

   وَالبَيتُ أَنتِ الصَوتُ فيهِ 
                وَهْوَ لِلصَوتِ صَدى
 
    بل كان أستاذنا الراحل ـ رحمه الله تعالى ـ واصلاً لرحمه جميعهم، طوَّافاً عليهم، عطوفاً بهم. قال في ذلك ابن عمه الأستاذ/ صلاح جمعة أحمد جابر:(كان يصل الرحم، ولا يُقصِّر فيه، يتفقد أهله، ويحرص على زياراته لهم، ولا يقبل أن يسمع فيهم شراً أو أذى. كل أهلنا يشعرون بقربه منهم، فكان أوصل أهلنا رَحِماً). وقال:( كان رابطاً للأهل في أعياد الأضحى، فكنا نجتمع عند واحد من أهلنا كل يوم وقد ننتقل في اليوم إلى أكثر من واحد. ثم انقطع ذلك بموت الأستاذ/ كمال رحمه الله تعالى، فقد كان هو المحرِّك لهذا الفعل). وفي صلته لأهله تذكر السيدة زوجه أنه كان باراً بأهله، فمن أهله من قدَّم لنا بعد مماته رداً لكثير من إحسانه عليهم وما كنا نعلمُ شيئاً من ذلك إلا من خلال حديثهم عنه بعد مماته. كما كان بيته يأوي كثيراً من أبناء الأسرة الممتدة من الطلاب فرعاهم رعايته لأبنائه. 
عوض مصطفى إبراهيم
    وعلى هذه السيرة في رعاية أسر دنقلا للطلاب ـ من أهلهم وغير أهلهم ـ فقد عُرفت أسر دنقلا بذلك الأمر الذي اكتسبوه من إرث "خلاوى القرآن الكريم" التي انتشرت في ربوعها داخل المدينة وخارجها فكانت الأسر هي التي تأوى طلاب الخلاوى في بيوتها إذا ضاق المسكن بهم في تلك الخلاوى. وأذكر قصةً في ذلك رواها السيد/ عوض مصطفى إبراهيم  صديق الراحل ـ أنه ذات مرةٍ استوقف سيارةً من سوق المدينة لِتُقلَّله إلى منزله، فركب خلف السائق لأن جواره كان مشغولاَ بالأستاذ الراحل/ حسن ساتي زيادة ـ وهو من كبار المعلمين من أهالي "جزيرة بنا"، فمرّت السيارة من أمام منزل والد السيد/ عوض مصطفى، فقال الأستاذ/ حسن ساتي ـ وهو يُشير إلى ذلك الدار ـ متأثراً تأثر الكريم، كأن الشاعر عَنَاهُ حينما قال (إنْ أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكته)، فقال: لقد مكثتُ في مضيفة هذا الدار ونحن طلاب في المرحلة الثانوية سنين عدداً ومعي إخوة وصاحبة الدار تخدمنا وهي لا تعرفنا. فقال السيد/ عوض: سألته ما اسمها؟ فقال: "تُفَّاحة". فقلت له هي والدتي وهذا بيتنا الكبير. فما تعجَّب لأن هذه كانت سُنَّة أهل دنقلا البررة.

كان شأن الأستاذ الراحل/ كمال جابر في بيته منطلقاً من دوره الرسالي وشخصية المعلم فيه، فكان يمزج بين الحنان لبنيه والمراقبة لسلوكهم والاهتمام بهمهم. فقد قالت السيدة نعمات زوجه إنها استفادت منه جداً في مهامها في إدارة المدارس عبر توجيهه ونصائحه في طرق التعامل مع العاملين جميعهم في المدرسة وغير ذلك. ومما سهّل عليه ذلك أنَّ الأستاذة نعمات كانت هي الأخرى معلمة

الأستاذ/ صلاح جمعة جابر

للغة الإنجليزية وفي ذات المرحلة المتوسطة التي كان يعمل بها الراحل. بل وتول السيدة نعمات لقد كنت كثيرة الضجر في أول حياتي فغَيَّر الراحل فيَّ ذلك بسلوكه وتوجيهه، فكان صبوراً جداً رحمه الله، فكان من كلامه (الحياة لا تسير مع الإنسان بوتيرة واحدة) وكان من طبعه أنه لا يرضى بالفشل. وقالت:( كان له تأثير كبير في شخصيتي).

وتذكر السيدة نعمات عن يوم الراحل في بيته أنه كان حريصاً على صلاة الفجر يوقظ لها أولاً أمَّه التي أقامت معه حتى وفاته، ولربما زارتهم فأقامت معهم كذلك فتراتٍ والدة الأستاذة نعمات، وقد تزامن وجودهما يوم وفاته رحمه الله تعالى. كما كان يحرص على متابعة الشأن العام عبر مشاهدة البرامج السياسية والاجتماعية في التلفاز برغم ما اتُّصف به من قلة الكلام ورغبته عن النقاش وعدم ميله له. ومن طرائف ما تحكيه السيدة نعمات عنه أنه كان يقول لها: لا تكثري معي الكلام لأني لا أسمع من كلامك إلا ما أريده فقط. وكان مُتَنَفُّسه في مشاهدة مباريات كرة القدم، ولربما ركَن إلى عزف آلة "العود" أو "الأورقن" أحياناً، ولكنه كان أحرص على حضور ملتقيات المعلمين في تجمعاتهم، وكان أشدهم حرصاً عليها. ففي دنقلا كان "دار المعلمين" يجمع قبيلة المعلمين كل مساء عقب صلاة المغرب وحتى بُعيد صلاة العشاء، وفي "اليمن" كان ملتقى المعلمين هو "دار العَزَّابة"، وهو سكن المعلمين غير المتزوجين أو الذين لم تصحبهم زوجاتهم إليها. ويُضيف الأخ/ محمد كمال جابر: إنه على الرغم من كثرة خروج الوالد من البيت إلا أنه كان يحرص على "الصينية". يقصد حضور وجبات الأكل الرئيسة في البيت، وتجمع كل أفراد الأسرة حولها، فيراقب طريقة أكل أبنائه ويوجههم فيها، فلا حديث أثناء الأكل ولا إسراف ولا عجلة فيه. وتُضيف السيدة نعمات عنه أنه كان ـ رحمه الله ـ يتضجر جداً من الكلام في الناس والتعليق على أحوالهم فلا يحب أن يسمع من أهل بيته شيئاً من ذلك.

الأستاذ الراحل/ حسن ساتي زيادة
وقد اهتم بإعداد ابنه محمد باكراً منذ دراسته في المرحلة الابتدائية، فكان رفيقه في كثير من مهامه المنزلية، وكان محل استشارته في بيعه وشرائه وجُلِّ تعاملاته، وكان محل أسراره في شؤونه المالية. فكان قريباً جداً منه حتى قالت السيدة نعمات :(محمد كان لأبيه at the top). ولم يكن اعتناء الراحل وتقريبه لابنه محمد من باب التمييز بين الأبناء، وأنَّى للراحل أن يفعل ذلك وهو الذي
لم يُميِّز بين تلاميذه ولو على أساس التفوق الأكاديمي من بعضهم، بل كان ذلك منه لأنّ محمد أكبرُهُم، ومن يليه من الذكور لم يكد يبلغ الخامسة عشر من عمره، فكان من الطبيعي في طور التدريب على مسؤوليات الحياة لابنه الأكبر أن يفعل ذلك. ولعل إحساسه بدنو أجله دعاه لأن يكلفه بالسعي في حوائج الأسرة الصغيرة وهو لم يزل يافعاً ـ وقد كان ذلك مثار شفقة زوجه على ابنها كثيراً لكنه كان مصرًّاً على إعداده ذلك وأفلح ـ حتى شبَّ محمد على الاطلاع بمسؤولية إخوته بعد موته عوناً لوالدته، التي وصفت أبناءها بقولها (ما أتعبوني أبداً).

ولئن قيل إن (وراء كل رجلٍ عظيم امرأة) فقد كان وراء عظمة الأستاذ الراحل امرأتان، الأولى أمُّه والثانية زوجه السيدة/ نعمات حسن محمد خير عشيري. تنحدر الأستاذة/ نعمات من سلالة نوبية ورثتها عبر جدتها لأمِّها الدنقلاوية، وسلالة مصرية عبر أخرى لأبيها، وقطنت قرية "ناوا" من "دنقلا العجوز"، وما أدراك ما "ناوا" ثم ما أدراك ما "دنقلا". وتوزعت أصولها بين قرى "ناوا" و"كدكول" وآل "سيراب" من "السَّير" في شمال دنقلا. فاجتمع للأستاذة نعمات تراث العراقة والدماء. وقد قال الأديب المصري شوقي ضيف في حق أمير الشعراء شوقي: (انتخبتْ ربَّةُ الشعر "شوقي" ... وأعدَّت له كل شيء ليكون شاعراً ممتازاً ... وكانت أول ما أعدَّت له مِيراثَ دَمِهِ وأعْرَاقِهِ). يرجع ذِكر "ناوا" و"دنقلا" إلى عهد فرعون مصر الذي استجلب منها السحرة في صراعه لنبي الله تعالى موسى ـ عليه السلام ـ حسبما أورد الإمام ابن كثير المفسِّر والمؤرخ. ثم تجدد ذكرها بإمام

الأستاذة المربية/ نعمات عشيري

مصر وعالمها يزيد بن أبي حبيب الدنقلاوي التابعي شيخ الليث بن سعد، والذي روى له الإمام البخاري في صحيحه بضعاً وعشرين حديثاً. ثم احتوت الصحابة الذين أسسوا بها أول مسجدٍ بالسودان وهو "مسجد عبد الله بن أبي السرح" فسُميِّت تَيَمُناً باسم "ناوا الأتر"، لما بها من آثار الصحابة رضي الله عنهم. كما أنها أرض أعلامٍ في السودان كان لهم شأن، منهم الشهيد المشير/ الزبير محمد صالح، نائب الرئيس الأسبق للسودان. ومنهم العالم الدكتور/ عبد الحي يوسف.    

اغترب السيد/ حسن محمد خير عشيري والد السيدة نعمات منذ بدايات سبعينات القرن الماضي بالمملكة العربية السعودية، ثم امتهن الزراعة بعد عودته بقرية "ناوا". وقد كانت الأستاذة نعمات هي البنت الوحيدة لأبيها بين إخوانها، الذين اشتهر منهم الأستاذ المربي؟ محمد حسن. كما اشتهر من "آل عشيري" أعمام الأستاذة/ نعمات؛ الأستاذ الصحفي/ محمد عشيري الذي عمل في الصحافة بدولة "الكويت"، وصاحب درجة الدكتوراه في اللهجة النوبية، وفُجع السودانُ مؤخراً بموت عمِّها الأستاذ المحامي الشهير "سيد أحمد عشيري"، ذلكم الإنسان ذي العِشرة الطيّبة الذِّكر الحسُن.

أكملت الأستاذة/ نعمات عشيري تعليمها بالمرحلة الثانوية بمدينة دنقلا في العام 1981م، وعملت بالتعليم بمدرسة "كرمة البلد" شمال مدينة دنقلا، ثم انتقلت إل

الأستاذ/ عبد الوهاب حسن سعد الدين

ى مدينة دنقلا فعملت بعدد من مدارسها أولها مدرسة "بهاء الدين المتوسطة"، وعملت تحت إدارة أشهر المديرين من المعلمين أمثال الأساتذة عبد الوهاب حسن ومصطفى طه وصلاح مرتضى عبده). ثم غدت من أشهر مديري المدارس بفضل الخبرة التراكمية الواسعة، ثم صارت من أكبر إداريي التعليم بالولاية الشمالية.

أكبر أبناء الراحل الأستاذ/ كمال جابر هو "محمد كمال"، الذي درس مراحله التعليمية بدءً بمدرسة عبد الله بن أبي السرح الأساسية بمدينة دنقلا، ثم المرحلة الثانوية بمدرستي الشهيد/ أحمد قاسم ومدرسة دنقلا الثانوية النموذجية، وتخرج في كلية التقانة والتنمية البشرية بجامعة دنقلا (محاسبة)، ويعمل حالياً بالسلطة

الأستاذ/ مصطفى طه

القضائية في الجهاز القضائي بالولاية الشمالية. وهو متزوج من السيدة/ ماريا يوسف محمد عثمان أرقاوي، ولهما من الأبناء "كمال" و"جوري". وقد تخرجت السيدة/ ماريا في "الأكاديمية الأمريكية" الجامعية، في (تخصص "الاحتياجات الخاصة" – إعاقة ذهنية / إشارة وتخاطب). وهي ذات قربى له من جهة الأم، من قرية "كدكول". وآل "أرقاوي" أسرةٌ ذات مشاهير، فوالد السيدة/ ماريا من قيادات الخدمة المدنية السودانية في قطاع التأمينات الاجتماعية إذ شغل بها موقع مدير ولائي لعدد من الولايات، كانت الولاية الشمالية واحدة من تلك الولايات التي شغل بها موقع مدير التأمينات لإحدى فترتين متفرقتين عمل بهما في الولاية. وهو كذلك من مشاهير قيادات العمل الإسلامي في مدينة "القضارف ."كما أن الشيخ/ ميرغني محمد عثمان الذي رأسَ الجالية السودانية باليمن عشرات السنين، قد شغل منصب الأمين العام لهيئة "تزكية المجتمع"
يوسف محمد عثمان أرقاوي

بالسودان، وشغل عدداً من المواقع الدستورية الولائية في عهد ثورة الإنقاذ الوطني، آخرها وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الولاية الشمالية، وهو ما يزال عضواً بـ"هيئة علماء السودان، والأمين العام لـ"هيئة الدعوة الإسلامية".

أما الطبيبة الصيدلانية الآنسة/ أمامة كمال جابر فهي ثاني أولاد الأستاذ الراحل. درست مراحلها التعليمية بدءً بمدرسة أم المؤمنين الأساسية بنات، ثم المرحلة الثانوية بمدارس الشهيد/ كمال علي مختار ومدرسة "المتفوقات"، وقد أحرزت المرتبة الأولى على مستوى الولاية الشمالية في امتحانات شهادات الأساس والثانوية، ونالت بذلك تكريماً مميزاً من والي الولاية الشمالية آنذاك اللواء الركن/ الهادي بشرى، شمل تكريمها أراضي سكنية خُصِّصت لها. ثم تخرجت في كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم.   

محمد كمال جابر
أما المهندس/ أحمد كمال جابر، وهو ثالث الأبناء، والذي هو أقرب الأبناء لأبيه شَبَهَاً وطَبْعَاً. وهو من مواليد "جمهورية اليمن". وقد درس مرحلة الأساس بمدارس المعهد البريطاني بمدينة دنقلا ـ التي شارك الأستاذ الراحل في تأسيسها بالولاية ـ وامتنحن للشهادة الثانوية من مدرسة المتفوقين في دنقلا. ثم تخرج في كلية "النفط والمعادن" بجامعة النيلين.

وأصغر أبناء الأستاذ الراحل فهو مصطفى. وقد درس مرحلة الأساس بمدارس المعهد البريطاني بمدينة دنقلا، ثم المرحلة الثانوية بمدرسة الشهيد/ أحمد قاسم الثانوية، وهو مازال طالباً
بكلية التقانة والتنمية البشرية بجامعة دنقلا (تقنية المعلومات
(.

لقد كان يوم الثلاثاء الموافق الثالث عشر من شهر مارس من العام 2007م يوماً مفاجئاً لهذه الأسرة في أقداره، فقد غدت الأستاذة نعمات باكراً إلى عملها الرسمي لتصحيح امتحانات الشهادة للممتحنين من تلاميذ مرحلة الأساس بعد واجباتها الأسرية الصباحية، تاركةً خلفها الراحل بالمنزل على أتمِّ حالته الصحية، بل أوصاها بالمرور في طريقها على أبناء أخته الأستاذة نجاة جابر التي كانت تخضع لعملية جراحية بالخرطوم، كما أوصاها بإحضار نوع من الحبوب المسكنة لآلام المعدة، التي

الأستاذ الراحل/ عبد الله عطيوي

يبدو أنها طرأت عليه في ذلك الصباح، فقد طلب من ابنه محمد تدليك رجليه لفتور ألمَّ به. ولمَّا كانت الأستاذة تهمُّ بالعودة للمنزل بعد ساعات من خروجها تلقَّت اتصالاً من
ابنتها "أمامة" تخبرها بأن والدها يتوعك وتطلب حضورها. فتقول الأستاذة إنها عند عودتها وجدته كما تركته بصحة جيدة، لكنَّ أبناءها أخبروها بأن الراحل قد سقط فجأةً مما دعاهم لاستدعائها. وبعد إلحاحٍ منهم وبحضور أبناء عمومته الأساتذة/ "صلاح جمعة" و"عبد الله عطيوي". وعند المستشفى تلقاه صديقه الطبيب/ محمد عباس الذي شخَّصَ حالته بأنها "ذبحة" عارضة وأن حالته تستدعي نقله للخرطوم.

وفي يوم الخميس الموافق 15 مارس2007م وفي مشفى "مستوصف الفيصل" بالخرطوم أكَّد الأطباء تشخيص "الذبحة"، وأنهم سيعملون جاهدين من خلال عملية جراحية لإسعافه، ولكنَّ نسبة نجاحها غير مؤكدة. ثم بعد نحو ثلاث ساعات من إجراء العملية الجراحية أسلم الأستاذ الراحل ـ رحمه الله تعالى ـ روحه إلى بارئها. ثم نُقل جثمانه فَوُوْرِيَ الثرى بمقابر "قيامة" بمدينة دنقلا.

قال الأستاذ صلاح جمعة:(أذكر له عند احتضاره ـ وقد جئته زائراً ـ أنه سألني عن أذان الظهر، وهل حضرت الصلاة؟ قلت: نعم. فقال: ـ وقد أصاب بعض جلبابه دماً ـ "اغسل لي هذا الدم حتى أصلي". فكان أَحرَصُ على الصلاة. وفي مثل تلك اللحظات لا يذكر الصلاة إلا من ارتبط بها في حياته بعمق).

وقال محمد كمال إنَّ جدته الحاجة "آمنة حميدة" لم تُر يَهُزُّها أمرٌ مثلما هزَّها موت والده، فلم تلبث بعده أن توفيت في العام 2009م.