إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

مجالس المرحوم الأستاذ/مصطفى محمد يس(5) مذاهب في الحياة...من الآراء الشخصية للمرحوم.


قال ابن تمام:
لولا خِلالٌ سنَّها الشِّعرُ مَا دَرَى       بُغَاةُ النَّدى مِن أينَ تُؤَتى المَكَارمُ
     ولا يدرك معنى أبي تمام خير الفهم إلا من يُعاشر أحد خذقة الأدباء الذين يتمثلون المعاني التي يروِّجون، أي من الذين استثناهم قوله تعالى: ، ومن هؤلاء المعنيين ظناً والله أعلم أستاذنا المرحوم/ مصطفى محمد يس، فالرجل ـ رحمه الله ـ كان معتزاً بثقافته اللغوية بل مؤمناً بحمائلها من الفضائل، وفي أسطر قليلة أذكر بعض ما سمعت منه من أشعار وآراء تضمنتها، وقد عجبت كيف شكّلت مفاهيمه في الحياة، فكانت أسباب فرحه أو مثار عبسه أو محرِّكات بؤسه، وهو في كل هذه الأحوال خير معلمٍ لتلك الفضائل، فأنت حينما ترى معلِّمَك متأثراً ببعض الأشعار فأنت لا تأخذ منه المعنى فحسب، بل تأخذ مع ذلك المعنى انفعالاتٍ ووجداناً وهواجس، فانظر أيَّ معلمٍ كان مصطفى محمد يس رحمه الله تعالى.
        كانت له زمالة دراسة وعلم مع الشاعر محي الدين فارس ـ رحمه الله ـ في مصر، وكانت له صداقة وحبّ لمحي الدين، وكان كثيراً ما يردد أخبار تلك الصلة وأشعار ذلك الشاعر. وكنت مما حفظته منه في أوقات نقده للحكّام الظالمين، ترديده لبيت محي الدين فارس: 
لكَ الويلُ مِن شعبِكَ         الأبْكَمِ أمازِلتَ تلعقُ مُرَّ الدَّمِ
وبالرغم من كونه أحد الإسلامين في بلدنا إلا أنه كان كثيراً ما ينتقد بعض التصرفات التي تصدر عن بعض المنتسبين لحزبه حتى فاض به الكيل فترجم إحساسه بتحريف بيت الشاعر:
وكفرت بالأحزاب لا متجنياً         لكن أدانت نفسها الأحزابُ
فكان ينشده:
 وكفرت بالتنظيمِ لا متجنياً     لكن أساء لنفسه التنظيمُ 
   وكان في إنشاده يُعطي انطباعاً وإحساساً صادقاً يجعل المرء يفكر بعمق فيما يسمع من شعر.
                                  ***
    وهذا النهج من أستاذنا عهدناه فيه منذ اتصالنا به أستاذاً للنحو في المدارس المتوسطة ونحن حينذاك طلاب علمٍ نؤخذ بأسلوب المعلم المتفرّد سيما إن كان مُجيداً يُحبب التلاميذ فيما يقوم بتدريسه من علوم، وهكذا كان المرحوم مصطفى محمد يس. ومما حفظته منه أبيات إيليا أبو ماضي في قصيدة "الطين" وهو يُعرّض بالإنسان المتكبّر المتعجرف، فيقول:

نسي الطين ساعة أنه طين
حقير فصال تيها وعربد
وكسى الخزّ جسمه فتباهى
وحوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي
ما أنا فحمة ولا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير
الذي تلبس واللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكلُ النضار إذا
جعتَ ولا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي
في كسائي الرديم تشقى وتسعد
لك في عالم النهار أماني
وروءى والظلام فوقك ممتد
ولقلبي كما لقلبك أحلامٌ
 حسانٌ فإنّه غير جلمد

فرأينا أستاذنا وهو يُنشد تلك الأبيات ويتمثلها كأنه قائلها فيزداد حبنا للشعر يُقال في المواقف تمثُّلاً. ويتعمق فينا حبُّ الفضائل وكره النقائص.