إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 24 مارس 2016

الترابي الجمل الأورق... "ما رأت عيناي مثالك"

 


      ما كان يدرك الكفار يوم أن استهدفوا حمزة بن عبد المطلب يوم أُحد، أنهم بذلك منحوه سانحةً للمجد ما كان لينالها لولا أقدار الله تعالى التي يرتبها كما يريد. يقصُّ وحشيٌ ذلك الاستهداف يقول:( فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأوْرَق، يهُدُّ الناس هدّاً ما يقوم له شيء)، لكنّ "الجمل الأورق" ما تعطّل بالقتل ولا تبطّل للنَّيْل حتى جنى المجدَ بالتمثيل الذي أخرج وأحرج ضغائن الكفار، لأنهم أتّوْا فعلاً ما ينبغي للرجال يوم النزال، فنهى الله U نبيّه عن مجاراتهم، بل أمره بمخالفة سلوكهم، فقال: ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯩ ﯪﯫﯬﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ، لقد أثار حمزة للتاريخ مثالاً قلّما يتكرر في عصر واحدٍ، يهُدُّ أعداء الإسلام هدّاً مثلما كان الترابي لهذا الزمان، فهو "الجمل الأورق" لهذا الزمان في معاركه التي أورثت الأعداء غِلاً على اختلاف الجديدان ومرِّ الأزمان، ما استطاع الترابي نفسه تخفيف غلوائه بدعوتهم للـ"مؤتمر الشعبي العربي الإسلامي" أو غيره من تدابير الحوار والوفاق الوطني.

لقد شابه الشيخ الترابي في عصرنا حمزة فكان "جملَ الشيْلْ" للعمل الإسلامي، و"الجمل الأورق" في معاركه التي شارك فيها ـ وما من شأنٍ عامٍ إلا وشارك فيه، فقد كانت حكمته في ذلك قوله:( إما أن نشارك أو نشارك)، يعني ذلك أنه لا بد لنا من دَوْرٍ نلعبُه في الساحات وإلا فإننا سنساهم من حيث لا ندري بتمكين الغير من الغي.
أول تلك المعرك التي رأيت فيها الشيخ جملاً أورقَ تلك التي تكالبت فيها الأحزاب وتجمعت لتتفق على مرشح لها واحد في "دائرة الصحافة – جبرة" في انتخابات البرلمان السوداني في العام 1987م لينازل الشيخ الترابي كيداً فيها  – وهو فعلٌ مشروعٌ بغير حق، لأن الهدف من ذلك لم يكن تمثيل الناس في ذلك المكان وإنما منع الشيخ الترابي من تمثيلهم بالغالبية التي كانت لتؤهله إن كانت الأمور تجري مجراها بغير تغيير، فإن لم يكن ذلك الصنيعُ "أسلوباً فاسداً" في الانتخابات فما هي "الأساليب الفاسدة" إذن – وقد أفلحت الأحزاب في مبتغاها فـ"سقط الترابي" أمام دهشة الجميع ممن كان يتابع المشهد، وزادت الدهشة حينما احتفل الترابي والإسلاميون بسقوط زعيمهم الذي صار الهمّ الأوحد للأحزاب، ليتفرغ الإسلاميون لقضيتهم. وقد وقف يوم ذاك "جملاً أورقَ" يهزأُ بالأحزاب ويعلن هزيمتها في معركة القِيَم.
دارت الأيامُ ودالت، I، فما هو إلا عامٌ أو عامين أو يزيد، وتبطلت بحكومة الأحزاب الحِيَل في تسيير البلاد، فما وجد رئيس الحكومة يوم ذاك السيد/ الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي بُداً من الاستنجاد بالشيخ الترابي والإسلاميين، الذين ما توانوا (إما أن نُشارك أو نُشارك)، وكان شرطهم في ذلك إجازة العمل بـ"القوانين الإسلامية" في العقوبات، تلك التي بدأ العمل بها في السودان إبان حكم الرئيس الراحل " جعفر محمد نميري"، وكان شعار الأحزاب في معتركهم الانتخابي هو تعطيلها بحجة خروجها على شريعة الإسلام دون بديل من الإسلام، وناوأهم الإسلاميون بضده وهو "التمكين" لشرع الله تعالى في أرضه بكلمةٍ سواءَ. وكانت قسمة الإسلاميين من الحكم بالموقّع الذي يتولون به إقناع المواطنين والحكّام بصلاحية "الشريعة الإسلامية" للقوانين السودانية، وتولى "الجمل الأورق" تلك المهمة بمنصب "النائب العام" لحكومة السودان، ذلك الموقع الذي يتولى تقديم القوانيين والتشريعات للبرلمان للنظر فيها.
وقف الترابي يوم ذاك في مواجهة البرلمان مستهلاً بتذكير الأحزاب بالفعل الخازي في الانتخابات وقال: لقد تجمعوا ليمنعوني من تميثل المواطنين في الدائرة الجغرافية المحدودة فشاء الله U أن آتي نائباً عاماً عن حكومة السودان ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ . ثم شرع في المنافحة التي ثبتت على الأمر أتباع الحزب الحاكم يومها قبل أن تثلج صدور الإسلاميين وتثبت الثقة الكبيرة لهم في شيخهم. لقد كان يوماً تحدّث الزمان به وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسنات الشيخ الراحل...
لقد كانت للترابي في تلك الظروف مواقف لا تنساها ذاكرة المهتمين بالشأن العام في السودان خاصة في أمر العمل الإسلامي وتاريخ الكفاح والمواجهات في سبيله، ولقد كانت له رِعدة على أعدائه في المناظرة التي أجرتها صحيفة الأيام بين رئيس تحرير جريدة "السياسة" آنذاك ورئيس القضاء الأسبق يومها ووزير الإعلام شاهداً وفي مقابل هؤلاء جلس الترابي ليدافع عن أحقية التراث الإسلامي في التشريع، وصلاحية الأحكام التشريعية الإسلامية لحياة الناس في العصر الحديث وخصوصاً للسودان البلد الذي يستوطنه المسلمون وغير المسلمين سواءً بسواء؟
لم تكن حبكة السؤال الأول في المناظرة مدخلاً فطيراً بل كان مقالاً مدعوماً بالاستشهاد المستفيد من قراءة التراث الإسلامي على طريقة (حاربوهم بسلاحهم)، فما ترك السائل للمستمع مجالاً لخيالٍ يرى صلاحية الشريعة الإسلامية لهذا الزمان، حتى وثب الشيخ على الحديث يفض حبال الذرائع الواهية ويكشف عن نصاعة الشريعة الإسلامية في الموضوعية وحفظ الحقوق، ويعرِّي القوانين الوضعية... لقد كانت كاميرا التلفاز يومها تكشف تباعاً فرار الحضور من المناظرة واحداً تلو الآخر حتى ما بقي منهم في الحلقة الثانية سوى المتحدث الرئيس الذي تغيرت كلماته من المهاجمة والتشكيل إلى الاستفهام وطلب العلم بالأمور والاستبصار...
لقد كان للجمل الأورق يوم "ثورة المصاحف" موقفاً لن ينساه التاريخ، فقد تنادى الإسلاميون السودانيون في ليلة من ليالي رمضان في العام 1989م للتنديد بتدخل قادة الجيش في الشان العام الجاري لسياسة البلاد طالبين طرد ممثلي "الجبهة الإسلامية القومية" من الحكومة، فيما عُرف يوم ذاك بـ"مذكرة الجيش"، واستجاب رئيس الحكومة مرغماً لذلك، فوقف الترابي في خطبة بتراء يقول:( أحرضكم على الجهاد والثورة والتحرير ... إنها ثورة قد انطلقت، لا ندري ليومٍ أو يومين، أو شهرٍ أو شهرين، أو عامٍ أو عامين، ولكنها لن ترجع حتى النصر)، ولقد صدق الله وعده ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ فكانت ثورة الإنقاذ الوطني من رحم تلك الأحداث ونتيجة ذلك التحريض.

رحم الله الشيخ حسن عبد الله الترابي وجزاه خيراً على جهاده وكفاحه في سبيل الله

الاثنين، 14 مارس 2016

الترابي، رحى الأفكار... لم يزل يبذر في الأرض

وقد رأيتُه يوماً في العهد الذي تحوّل قلبي عنه لمّا ضلّت السُبل بالإنقاذ ودبّ الوهن، فدارَ اللومُ عندي حوله، لكنّه مَلَكني بالإرادة التي بَدَت خلف التردِّي صامدةً، ومن بعد الوهن مجاهدةً، وهو يتحدّى بمستقبل الإسلام واثقاً بالله، يتوعّد بالتجديد، فَبَدَاْ عندي كالرَّحى للأفكار المبتَكرة. 
ولا شك في أن الشيخ حسن عبد الله الترابي من الذين يَصدُق عليهم قولُ ابنِ رشيق في الشاعر أبي الطيب المتنبئ أنه:( ملأ الدنيا وشَغَل الناس)، غير أن أبا الطيب المتنبئ لم يؤكّد ما قيل فيه على أقل تقديرٍ في عصرنا الحالي، القرن الواحد والعشرين الذي استباحه شِعرُ "التفعيلة"، وسخّف مزاجه اللغة الدارجة التي دحرت الفصحى إلا قليلا....
          لكن الشيخ حسن عبد الله الترابي الذي عرفه السودانيون واشتهر بينهم في أحداث الثورة الشعبية السودانية الكبرى في أكتوبر من العام 1964م ما زال بعدها يتجدد في الذهنية السودانية بشقيها، الذي شايعه والذي شاققه منها. فالتي شايعته أبدعت فيما خطّه لها من اتجاه في التفكير والتنظير الذي بدأه هو لها، فأتوْا بما لم يكن في حسبان الشيخ حتى، فليس هو نبيٌ ولا مُكلّمٌ حتى يعلم الغيب، ولكنه الرجل المتوكل على الله حق توكله...
          لم يُعرف عن الشيخ الترابي ظهوراً في ساحات القتال التي نشبت بعد ثورة الإنقاذ في السودان، ولكن لا يُماري أحدٌ في أنه مفجّر تلك الإرادات العارمة، فما زلتُ أذكرُ خطابه قُبيل الإنقاذ في "ثورة المصاحف" قبيل مجيئ الإنقاذ، وقد وقف ثائراً بعد أن قدّمه للحديث الثائرُ ابنُ عمر محمد أحمد، فخاطب الناس زئيراً وهو يقول:(أحرِّضُكم على الجهادِ والثورة والتحرير). فتلقفها المجاهدون أول الإنقاذ فكانوا أسودَ الشّرى، ومصابح الظلام المُدْلَهم.
          أما الذين شاققوه وأعلنوا عداوَتَهم، من اليساريين والإسلاميين، فما استطاعوا إلا مجاراته في طريقته، والتأثر بنهجه، ومن عجائب ذلك ما حفظته ذاكرتي من مواقف الحزب الشيوعي السوداني في حقبة ما بعد حكم "ثورة مايو" للسودان، أنه أصدر كتيباً يوضح فيه رأيه في قانون الزكاة، في مجاراة واضحة لنهج الشيخ الترابي في حزب الجبهة الإسلامية القومية التي ظهرت قوية في ذلك المعترك السياسي، والذي دمغته بالآراء والمساجلات الفقهية الشرعية، فلم يجد الحزب الشيوعي السوداني بُدّاً من مجارات ذلك التيار، في حادثة نادرة أن يقوم حزبٌ عقائدي يساري بالإفتاء الشرعي في السياسة، إقراراً بمناقشة القضايا العامة وتناولها من منظور فقهي، وهو النهج الذي عابوه على الشيخ الترابي .
          أما أعداؤه من الإسلاميين الذين أفرزتهم المفاصلة بين الشيخ الترابي ورئيس الجمهورية عمر البشير، فإنهم وبرغم المعاملة غير الكريمة التي نهجوها في عدائهم للشيخ ومن شايعوه، إلا أنهم ما انفكوا عن نهجه بل واتّباعه كُرهاً، ويشهد على ذلك مُضيُهم قُدُماً في ذات الفعل، بعد أن وقّع الترابي مذكرة التفاهم مع قائد المتمردين يومها على التنسيق السلمي في المواقف العامة، أو شيئاً فضفاضاً نحوه، فسجنته الحكومة بدعوى الاتفاق مع الخارجين على الدولة، لكنها سارت في ذات الاتجاه حتى وقّعت اتفاقيةً أشمل في مدينة نيفاشا بيوغندا، أدت في آخر عهدها إلى انفصال جنوب السودان.
          يجد الناس أنفسهم تبعاً للشيخ الراحل لموضوعية مواقفه، وعملية آرائه، وجرأة أفعاله، فهو يأسر الذي ينظر للأمور بحكمة، ويبتغي الخير بالفعل، لا الضرر والنِكال... ويأتي في هذا النهج "الحوار الوطني" الجاري في البلاد اليوم والذي أوضح الشيخ/ أحمد عبد الرحمن محمد القيادي بحزب المؤتمر الوطني أنه من مبادراته التي أحب أن تكون ختاماً لحياة مليئة بالجرأة، ما كانت لتسعده إلا لو أنتجت إجماعاً لأهل السودان...
          وليس لهذا وحسب هو "رحى الأفكار" بل هذا جانب يظهره قدوةً آسرة في التفكير والمبادرات... رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

الثلاثاء، 8 مارس 2016

وإذا الرجال أجهشت... الترابي، البركان الساكن .. أبى إلا الرحيل

لا حول ولا قوة إلا بالله..
·       الإنسانُ كمُّ الوجدانِ يموجُ ويهوجُ ويأوي إلى نفوسٍ توزعتْ في الناس .. كلُّنا حسن الترابي وإن اختلفنا،،
·       الوطنُ الإنسانْ،، والناسُ والسلوانْ،، و"كلُّ طايِرْ مُرْتَحِلْ عَبَرَ البحرْ"،، والوجهُ واليدُ اللسانْ،، "أنا السودانْ"،،
·       من سكونِ الخنوعِ للسياساتِ المستوردةِ لحُكمِ الناسِ إذْلالاً .. إلى إشهار الذات بمدَّخَراتِها وخياراتِها ولو أبى العالَمُ استقلالاً،،
·       قلتُ يوماً لنفسي وأنا أراه على صهوة الزمان المديدْ كأولِّ عهدي به وأنا أرضعُ المعاني العتيقة من قريحته، والخلالَ من سجيته، والآمالَ من عزيمته:
لا الحِمِلَ القديمْ هدَّاكْ
      ولا "نتْرَ" الهَمَج هزَّاكْ،،،
ولا الطُوْبَ المتينْ مِتْلَكْ
       ولا البُنيانْ ولا "المُدْمَاكْ"،،
ولا قامة النخيلْ طُولكْ
      ولا شابهْ عَطَاهو عَطَاكْ،،
ولا تُقْلَ الجبلْ حِيْلَكْ
    ولا الهَدَّاهُو كان هَدَّاكْ،،
ولا رِيْحْة التراب مدَّكْ
        ولا بِقْدَرْ يِحَاكى نَدَاكْ،،
وما بْتَعْرِفْ تقول "الوُوْبْ"
     ولا الـ"يَارِيْتْ" ولا الكُوْرَاكْ،،
يا جِيلاً وماكَ وحيدْ
          ولا لمَّاكْ ولا حدَّاكْ،،
ولاطَلْعَ النُّجومْ فِكْرَكْ
       ولا وهَجَ الشمسْ خبَّاكْ،،
وماك للْفارغة لا "لَوْلَاوْ"
وماك للـ"نِّقّه" لا الـ"واكْ" "واكْ"،،
ويا تيارْ وُمَاكَ قليلْ
               تباركْ ربَّكَ الـ"مدّاكْ"
ويا صَحْوَةْ ضميرْ أبيضْ
           ويا صادقْ وما سفّاكْ
ويا تقوى في جبينها علومْ
           ويا منطقْ وما أحلاكْ
ويا معنى في سبيلها نقومْ
          تقوم آلافْ نسوقها معاكْ
ويا وطناً نهيم بيهو
        وفيهو الدينْ يِكُونْ "كنداك"
وللـ"كَكَرَ" القديم يعلوْ
            وفي أعماقنا يِبْقى ملاكْ
ويا عِزّهْ وضَرا الأسيادْ
          ولا الأسياد بِقُومُو حِدَاكْ
ويا قُدْوة بتقود أمجادْ
         وما أمجادْ طَغَىْ وْإهلاكْ
ويا رفضَ "الحَقَارة" الـ"جُوْرْ"
            والـ"حَاكُو" أمْ "حُسُدْ" وُعِراكْ
ويا رفض الـ"دَّناوةْ" أم زُوْرْ
             ويا قُوْلَةْ "أَمِسْكِي" و"هَاكْ"
ويا نُوبْيَتْنَا يا شايقِيِّي .. يا جَعَلِيْنَا يا "أنواكْ"
يا أدروبنا يا دينكاوي .. يا مهدية للأتراك
ويا كافة قبايلنا .. وضراع آمالنا تبنى بُناك
ويا رمز المعانى السامية .. في همم الرجال تلقاك
لا الحمل القديم هداك،،
                   ولا الأيام ولا أعداكْ
                &&&&&&&
·        اللهم قيض لهذه الأمة جمعاً بعد فرقة، وإماماً بعد هملٍ، ورشداً بعد ضلال، واجعل بلادنا وبلاد المسلمين آمنة رغداً غدقاً ...
                                                     محمود شيخ أبيض:  دنقلا 8 مارس2016م