إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

محاضرات في الفكر الإسلامي (المحاضرة الثانية)

محاضرات في الفكر الإسلامي
المحاضرة الثانية
مناهج الفكر الإسلامي
مقدمة:
        اختلفت مناهج المفكرين المسلمين حسب أبواب العلوم التي اهتموا بها، فمثلاً طريقتهم في تناول موضوعات العقائد تختلف عنها في تناول موضوعات الفقه أو التاريخ أو النظم أو الاجتماع. غير أنها تتفق في مظاهر يمكن ملاحظتها بالاستقراء، وهي:
1.     الاعتماد أو الرجوع فيها إلى مصادر التشريع الإسلامي من القرآن والسنة، فما من باب طرقه المسلمون إلا كان خادماً للشريعة أو راجعاً إليها، فالإمام ابن شاهين كتب كتابه "الإشارات في علم العبارات" لبيان طرق تفسير الرؤا والأحلام، فصدَّره بفصل تحت عنوان " علم الرؤيا أصل في الشريعة " بيَّن فيه استمداد قواعد تفسير الرؤا للشريعة الإسلامية، مع بُعد المجالين.
2.     "الموضوعية" في تقرير مسائل العلوم ومناقشة تفاصيلها، فالعلماء لم يُوردوا النصوص المؤيدة للآرائهم فقط بل اهتموا بما أسموه "توجيه النصوص" أو " توجيه الأدلة"، ولذلك لم تسلم أي قضية في العلوم المختلفة من الرد عليها أو انتقاضها بما قد يُعارضها، ومن ثّمَّ الرد على الرد، فهذا الإمام الغزالي يرد على "الفلاسفة" قواعدهم في كتابه "تَهَافُتُ الفلاسفةِ"، فيردُّ عليه الإمام ابن رُشد بكتابه "تَهَافُتُ التهافت"، فهم لا يقبلون في مناهجهم التوافق الصوري بين النصوص الشرعية والآراء بل لا بد من إثبات ذلك بالبيان الواضح بـ"توجيه الأدلة".
وقد هداهم لذلك قوله تعالى:) قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ([1].
3.     انحصار العلوم والفكر فيما هو واقع في الحال أو وقع في الماضي، فليس للمستقبل في الفكر الإسلامي نصيب كبير، ولم يهتم المسلمون بافتراض الأمور إلا في أبوب محددة في مجال "الفقه".
ولعل السلف y ما كانوا يشجعون الافتراض في الوقائع أو تصدير السؤال بعبارة "أرأيت؟".  
أما الفكر فيما مضى من الأحداث والعلوم والبشر فمن باب الموعظة والاستعداد لما قد يعود به الزمان منه، أما الفكر في الواقع فللأمر القرآني لهم بذلك، والآيات في ذلك كثيرة، منها قوله تعالى:) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً([2]، و) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا([3].
وقد بيَّن الإمام الجاحظ[4] عيْب التآليف والفكر عند غير المسلمين ـ وهم الزنادقة ـ بقوله:(لا ترى فيها موعظةً حسنةً، ولا حديثاً مونقاً[5]، ولا تدبير معاشٍ، ولا سياسةً عامةً، ولا ترتيبَ خاصةٍ)[6]، فهي خالية من الموضوعية، ومن الفائدة العامة أو الخاصة.
4.     ذاتية الفكر الإسلامي، أي أن الفكر الإسلامي نبع من الأمر القرآني للمسلمين، ووعْدِه ووعيده لهم فيه، أجراً وتأثيماً، قال تعالى:) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ([7]، ) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ([8].
     فلم يكن الدافع للمسلمين في الفكر انفعالهم بالحضارات المجاورة أو المعاصرة، بل لم يصل أثر تلك الحضارات للمسلمين إلا مؤخراً في عصر "الترجمة" للعلوم، ولم يكن لغير الثقافة الإسلامية أثراً في مناهج تفكيرهم إلا ما أسهم في الموضوعية التي انتهجها علماء المسلمين في كل المجالات التي شرعوا فيها.
مناهج المسلمين في العقيدة الإسلامية:
تميَّز منهج العلماء المسلمين في تناول موضوعات العقيدة ومناقشتهم لها، وذلك بمقاصده، وهي:
1.     العقيدة الإسلامية أساس الفكر الإسلامي وأساس التكاليف الإسلامية وأساس بنيان شخصية المسلم، من أجل ذلك وجدت الاهتمام الأعظم لدى المسلمين جميعاً فضلاً عن العلماء والأئمة.
2.     لا اجتهاد في العقيدة الإسلامية، فقد خلا علم العقيدة الإسلامية ـ والذي يُسمَّى أيضاً بـ"علم الكلام" و"علم أصول الدين" ـ من أي قواعد للاجتهاد على غرار علم "الفقه" أو علم "أصول الفقه". وقد أُخِذ هذا الأمر من القرآن الكريم الذي بيَّن أن مأخذ العلم في العقيدة إنما بالتلقي لأن الغيب ـ الذي هو أساس العقيدة ومعظم مسائلها منه ـ لا يعلمه إلا الله I الذي خلق وعلم، فلا سبيل للإنسان إلى معرفة الغيب إلا بالخبر، وقد عاب القرآن على المشركين تخمينهم في الملائكة بقولهم هم "بنات الرحمن"، فقال تعالى:) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ([9]، وقال:) تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا([10]، وقال:) وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ( [11]، وقال:) قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ([12].  قال الشيخ محمد متولي الشعراوي:( إن الذي أتعب الفلاسفة والمفكرين جميعاً أنهم خلطوا بين شيء اسمه التعقل، وشيء اسمه التصور، فأدخلوا التصور في ميدان التعقل، وخلطوا التعقل في ميدان التصور.
التعقل هو أن يحكم العقل بوجود قوةٍ ما وراء ذلك الكون، هذا من قدَرِ العقل. إنما ليس المفروض في العقل أن يقول لي: ما اسم هذه القوة؟ ما شكلها؟ ما صفتها؟ ما مطلوبها؟ ماذا تعمل لمن يطيعها؟ العقل لا يقول عن ذلك.
        وقلنا: إننا إذا أغلقنا الغرفة، ثم دقَّ الجرس، فكلنا نستوي جميعاً في تعقُّل أن بالباب طارقاً. هذا هو التَعَقُّل. فإذا اكتفينا بهذا القدْر لم يحصل خلاف بيننا. فإذا بدأنا نقول: من بالباب رجلٌ، امرأةٌ، صغيرٌ، كبيرٌ، أبيضُ، أسمرُ، بشيرٌ، نذيرٌ، فقد بدأنا نختلف، لأن هذه ليست عملية العقل، هذا تصور)[13].
3.     الفكر الإسلامي في العقيدة يقبل المنطق ولا يصادمه، فلم يرفض العلماء رأياً ملحداً مع إقرارهم بمنطقيته. إنما يرفض الفكر الإسلامي المنطق مقرراً للأمور الاعتقادية أو الغيبية على وجه الدقَّة. وذلك لما ذكرناه سابقاً في الحديث عن الاجتهاد في العقيدة.
4.     العقيدة الإسلامية ينظر فيها العلماء على أنها تكليف، فلم يُكلِّف العلماء أنفسهم النظر والجدل فيما لا تكليف فيه بالاعتقاد، فلم يبحثوا في ذات الله U لأنها خارج مناط التكليف، ولم يبحثوا في أحداث ما بعد الموت والآخرة، ولم يبحثوا كذلك في أخبار السابقين من المرسلين والأمم إلا بمقدار ما جاءهم في تلك الأبواب من الأخبار، فسلَّموا بها أو ردوها لعلل يرونها. 
5.     تنزيه الله U، وهو مقصد الجدل في العقيدة عند المسلمين، ومعناه إقرار ما يجب في حق الله تعالى مما لا يجعله مماثلاً لخلقه. فهو سميعٌ لقوله:) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ([14]،  لكنَّ سمعَه وبصَره لا يماثلان ما عُرف في خلقه، بل سمعاً وبصراً يليقان به I.
6.     يقوم الفكر الإسلامي في العقيدة على مبدأ التوحيد، أي أن الله U ربٌّ وهو إلهٌ كذلك، وهو ما اصطلح عليه بـ"توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية". وهو الأمر الذي يفِّق بين المسلمين وغيرهم، يقول الشيخ الشعراوي:( نحن كأهل أديان آمنا بالله I على أنه إله، والناس جميعاً آمنوا به على أنه ربٌّ. والفرق بين الإيمانين أن الإيمان بالربوبية يعطي الحق I أنه هو الذي خلق، فما ادعى أحدٌ أنه خلق نفسه، والقسمة العقلية في الخلق، قال الله تعالى عنها:) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ([15]، خُلقوا من غير شيء قضية يرفضها العقل. إذن فهم قد خُلقوا من شيء، ولم نسمع على مدى التاريخ الطويل أن أحداً ادعى أنه خلقهم، أو أنهم ادعوا أنهم خلقوا أنفسهم. بل سمعنا أن الله تعالى هو الذي قال: إنه خالق، فلم يبق إذن إلا الله ادعى أنه خلق، فثبت الخلق له، لأنه لا منازع له فيه.
أما قضية الألوهية فهي مطلوب الرسالات، مطلوب الرسالات أنكم ما دمتم تؤمنون بأن الله هو الذي خلق، وهو الذي ربَّى، فيجب أن تتوجهوا إليه بالتعظيم والعبادة)[16].
مناهج العلماء في التشريع الإسلامي:
اختط علماء الإسلام منهجاً في التفكير التشريعي، ولعلهم كانوا الأسبق في ذلك المنهج المتكامل ـ كما سنرى ـ وحُقَّ لهم بذلك ادعاء أن الإسلام صالحٌ لكل زمان ومكان.
من أظهر السِّمات والمظاهر للفكر الإسلامي التشريعي ما يلي:
1.     قيام الفقه الإسلامي على "مقاصد" وهي الأهداف العليا التي تحدد عِلل الأحكام، ومُوَجِّهات الاجتهاد، ومحامل الصحة والبطلان للأفعال، ومحامل الاعتبار للأشياء، وقد سُمِّيت تلك القِيَم بـ"مقاصد الشريعة".
2.     الاجتهاد مأمورٌ به وواجب في الفكر التشريعي، قال تعالى:) وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ([17]. وقد حدّد الفقه الإسلامي أصولاً لذلك الاجتهاد يستمد منها المجتهد الأحكام، وهي ما عُرف باسم "أصول الفقه" أو "أصول التشريع" أو "أصول الأحكام". 
3.     يُناهض الفكر التشريعي البِدَع والمستحدثات في الدين، التي تهدم أحكاماً شرعيةً وتحلُّ محلها في التعبد بها، حصاناً للدين من التبديل والتحريف، إذ لو تُرك هذا المبدأ لتغيَّر الدين بالأهواء، ولعُبد عير الله U، لذلك قال:) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ([18]، وقال رسول الله r:( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ)[19]. لكن الفقه الإسلامي لا يرفض مظاهر التعبد الموافقة لمقاصد التشريع ما لم تُنشر نشر القرآن والسنة، فيُخشى على المتأخرين أخذها مأخذ القرآن والسنة ولربما أبطلوا بها سنَّة قائمة وأبدلوها مكانها. وفي هذا الباب يُفهم استحداث الخليفة الثالث عثمان بن عفان t للأذان الثاني يوم الجمعة[20]، وجمع القرآن الكريم في عهد الخليفة أبي بكر الصديقt.
وقد أخبر القرآن الكريم عن غياب هذا المظهر عن التشريع في الديانة المسيحية، بقوله:) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا([21]، ولعلها كانت إحدى عوامل التبديل والتغيير في الدين، حتى حرَّمها الفقه التشريعي الإسلامي.
4.     تجديد الفقه الإسلامي هو البيان العملي لصلاحية الفقه الإسلامي لكل زمان ومكان. ومفهومه أن يُجدد الفقهاء والأئمة النظر الشرعي في أحكام الوقائع والأشياء في كل عصر تختلف فيه الحياة عن سابق عهدها، حتى لا تقع المشقة والضرر بالناس، أو يُجافي الفقه الإسلامي المصالح العامة للمسلمين.
ولا تعارض وتضارب بين التجديد ومنع البِدَع في آنٍ واحد، لأن التجديد يُثري الدين بينما البِدع تهدمه وتُحِل طقوساً للناس مكانه.
وقد أورد أبو داوود عن أبي هريرة قال:( فيما أعلم عن رسول الله r قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها دينها)[22]، وقد عيَّن العلماء عدداً من الأئمة وعدوهم مجددي قرونهم، مثل الخليفة الراشد السادس عمر بن عبد العزيز لأنه أعاد للخلافة سنَّتها التي كانت في الخلفاء الراشدين من قبله في الزهد وتفقد الرعية والعدل، وقد كانت هذه المعاني غابت فيمن تولى الحكم بعد عهد علي بن أبي طالب t، ومثل الإمام الطبري إمام المفسرين، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل الذي لقِّب بـ"ناصر السنَّة".
وقال ابن حجر:( أنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةٍ من يُجدِّد لها دينها أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحدٌ فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو مُتَّجِهٌ)[23]، فهو يرى أن التجديد على رأس كل مائة عام يكون بالطائفة من الناس كما يكون بالأفراد، وهو عنده بالطائفة أكثر وجاهةً. وهو الفهم الذي بعث جماعات من المسلمين في أزمان مختلفة تخرج لتجدد أموراً في الدين قد اندرست وذهبت، فيجددونها في حياة المسلمين، وفي سنن الترمذي:( أن النبي r قال لبلال بن الحرث: اعلم. قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: اعلم يا بلال. قال ما أعلم يا رسول الله؟ قال: أنه من أحيا سُنَّةً من سُنَّتي قد أُمِيتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا تُرضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً)[24].
حركات البعث الإسلامي في العصر الحديث (الحركة الإسلامية – العمل الإسلامي):
        "العمل الإسلامي" أو "الحركة الإسلامية" أو غيرها من المسميات أُطلقت على تيارات من المفكرين المسلمين الذين حاولوا تجديد "الفقه الإسلامي" في واقع المسلمين، بتغيير مظاهر الحياة ـ حسب تفكيرهم واجتهادهم ـ لتوافق ما يرونه من أحكام شرعية غيَّرها المسلمون بحكم التداخل مع غيرهم، أو بفغل غير المسلمين من محاولات لتغيير تديُّن المسلمين، فيما عُرف في تاريخ ديار المسلمين والعالم، بـ"الاستعمار" أو "التبشير" أو "العلمانية" أو "الحداثة" ومجاراة العصر.
        هذه الحركات والتيارات ـ وأشهرها: حركة "الأخوان المسلمين"، و"السلفية"، و"التكفير والهجرة" و"جماعة البلاغ" ـ أفرزت طريقةً جديدةً في تفكير المسلمين وهي التفكير التطبيقي الجماعي  للفقه، فبعد أن كان التفكير والعمل في الفقه شخصى في الاجتهاد في الفتوى وشخصي في الامتثال صار جماعياً في التشاور لاتخاذ المواقف وأخذ التاطبيق شكل المنظمات والجماعات بدلاً من الأفراد والأسر.
        وإن كان الحكم على أثر هذه الجماعات لا يكون دقيقاً في الحاضر ـ لاستمرار هذه الحركات في مسرح الحياة، وهي في أطوار متجددة دائماً، ولا يُحكم بدقة إلا على الماضي ـ فإنه من الملاحظ أن لهذه الحركات إيجابيات لا تُخطئها العين في واقع المسلمين، فقد عاد الالتزام بأحكام الدين بعد غياب بسبب هذه الحركات، وظهرت دولٌ وحكومات تنهج النهج الإسلامي في الحكم وإدارة الناس بعد أن كان هذا الشأن مستهجناً وغريباً في الدول المسلمة ناهيك عن غيرها من الدول والمجتمعات.
                                                                                                                أكتوبر2015م






[1]        سورة يونس، آية 35.
[2]        سورة النساء، آية 82.
[3]        سورة محمد، آية 24.
[4]        عمرو بن بحر  بن محبوب البصري المعتزلي، صاحب التصانيف. أخذ عن النظام. وكان أحد الأذكياء. مات 250هـ أو          255هـ. من أقواله: "اصطلحت الأضداد على جسدي"، قالها يصف حاله مع المرض. ومن كلامه:"المنفعة توجب المحبة،  والمضرة توجب البغضة". من مؤلفاته: "الرد على أصحاب الإلهام" و "الرد على المشبهة" و"الحيوان" والبيان والتبيين".              الذهبي: سير أعلام النبلاء ج: 11 ص: 526
[5]        مونق: حسنٌ مَلِيْحٌ.     جمال الدين الطيائي الجياني: الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة ص 211.
[6]        أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: كتاب الحيوان1/57. دار الجبل–بيروت/دار الفكر1408هـ-1988م.
[7]        سورة سبأ، آية 46.
[8]        سورة النحل، آية 44.
[9]        سورة الزخرف، آية 19.
[10]       سورة هود، آية 49.
[11]       سورة آل عمران، آية 179.
[12]       سورة الأنعام، آية 50.
[13]       محمد متولي الشعراوي: عقيدة المؤمن، ص 118. الناشر: المكتبة التوفيقية.
[14]       سورة الشورى، آية 11.
[15]       سورة الطور، آية 35.
[16]       محمد متولي الشعراوي: عقيدة المؤمن، ص 87.
[17]       سورة النساء، آية 83.
[18]       سورة البقرة، آية 211.
[19]       الإمام البخاري: صحيح البخاري 2/959. الناشر: دار ابن كثير – اليمامة 1407هـ-1987م. تحقيق: مصطفى ديب البغا.
[20]       عن السائب بن يزيد قال:(كان الأذان على عهد رسول الله r وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أذانين، حتى كان        زمن عثمان فكثر الناس فأمر بالأذان الأول بالزوراء).  
الإمام أحمد: مسند الإمام أحمد. حديث السائب بن يزيد.
[21]       سورة الحديد، آية 27.
[22]       سليمان بن الأشعث (275هـ): سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب ما يُذكر في قرن المائة 4/109.
[23]       أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني(852هـ): فتح الباري شرح صحيح البخاري 13 / 295.
[24]       محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي ( 279هـ):الجامع الصحيح سنن الترمذي، 5/45.