إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2020

مربي الأجيال.. الأستاذ/ كمال جابر ... الإنسان العامر (3)

الأستاذ/ كمال جابر ... سيرةٌ وسريرة (2)

     تلقت المدارس المتوسطة في مدينة دنقلا في مفتتح السبعينات من القرن الماضي أستاذاً هُمَاماً تملؤُه الحيوية وتكسوه نضرةُ الشباب، سليمُ القَوام جميلُ المُحيا يَفتَرُّ عن عذوبةٍ في الحديث بكلتا لغاته التي تعرفها المدارس يومذاك؛ عربيةً فُصحى وإنجليزية طلِقة. جاء تعيين الأستاذ الراحل/ كمال جابر "مركزياً" بواسطة وزارة التربية والتعليم بالخرطوم، على عادة ونظام التعيين للتعليم في السودان يومذاك. ومراعاةً للظروف الأسرية للأستاذ ـ حيث توفِّيَ والده حديثاً وقد كان من كبار إداريي التعليم المعروفين ـ فقد تم تعيينه في موطنه دنقلا حتى يساعد في رعاية الأسرة المكلومة.

في ذلك الزمان كان يتمُّ تعيين معلَّم مرحلة المرحلة المتوسطة بدءاً في الدرجة "J"(= Junior مبتدئ) "الدرجة 14"، وذلك بناءً على حصولهم على مؤهل "شهادة المرحلة الثانوية". في مقابل ذلك يتم تعيين الجامعيين في التعليم بدءاً من الدرجة ""Q (Qualified = مؤهَّل) "الدرجة التاسعة". وبعد نحو الأربع سنوات من التدريب في المدارس يتم ابتعاث معلم المرحلة المتوسطة للتدريب الأساسي في "بخت الرضا" وذلك قبل أن تبدأ "معاهد التأهيل التربوي" في السبعينات.. بعد تخرجه من "بخت الرضا" وحصوله على مؤهل "دبلوم ينال المعلم الدرجة (H) "الدرجة العاشرة"، ويُطلق على المعلم بعدها وصف "Trained Master" ليقوم بتدريس المواد التي تخصص فيها في المعهد، وهي عادةً ما تكون ثلاث مواد (مادتين أساسيتين بالإضافة إلى مادة فرعية).  ثم بعد العمل لمدة سنتين على الأقل يترقى المعلم إلى الدرجة (G) " الدرجة الثامنة" ثم (DS Degree Seven) "الدرجة السابعة" ثم الدرجة B، ثم المجموعات "Group 6" ثم، "Group 5"، ثم Group 4"، ثم Group 3" ثم "الدرجة الثانية"، ثم "الدرجة الأولى". ومعرفة درجات الترقي ومؤهلاتها ومطلوباتها ولوائح الخدمة العامة ومنشورات التعليم السياسية والإدارية مما اشتهر به المعلمون يومذاك، بل هي من مطلوبات التأهل لشغل الوظائف الإدارية في المدارس من "ضابط المدرسة" و"وكيل المدرسة" و"مدير المدرسة"، وقد أخبرني أحد كبار المعلمين بالمعاش، وهو الأستاذ/ عبد العظيم عبد اللطيف محمد سليم عن ذلك العهد، أن المعلمين كانوا يتبارون في معرفة كل شؤون العمل الإداري ناهيك عن النبوغ في التخصص العلمي، فكان المعلم يُجيد كل شأن للمدرسة من لوائح الخدمة، ومن تصميم "جداول حصص الدروس" و"الأورنيك المرضي"، و"راجعة الطعام" لتسجيل التعاملات بين المدرسة والتجار متعهدي توريد غذاءات الطلاب في الداخليات، والتي يقوم المعلِّم بتصميمها لذلك الغرض وتُعتمد بواسطة مدير المدرسة ومسؤولي التعليم الأرفع. وقد كان الأستاذ الراحل/ كمال جابر رحمه الله تعالى من المشهود لهم بإتقان تلك الأمور، بل كل معلمي اللغة الإنجليزية يومذاك، لأن الحياة العملية كانت قريبة عهد بالتدوين الإنجليزي للوائح والضوابط والمعاملات فكانوا الأقدر على استيعابها والتعامل بها أكثر من غيرهم.

ولا بد في خضم سيرة الراحل/ كمال جابر وفي هذه الفترة بالتحديد التي ولج فيها رحمه الله تعالى سلك التعليم يكون لزاماً استجرار سيرة "الانقلابات التعليمية" في السودان. فقد تم تعيين البريطاني"جيمس كري"مديراً لمصلحة المعارف وناظراً لكلية غردون التذكارية سنة 1900 م، فأسس نواة النظام التعليمي الساري في السودان، إذ أقام النظام التعليمي على ثلاث مراحل، مدة كلٍ منها أربع سنوات، هي:الأولية ثم (الابتدائية أو الوسطى) ثم الثانوية. وأنشأ أولى المدارس على هذا النظام في العام 1900م، وأنشأ في هذا العام كذلك مدرسة تدريب المعلمين التي عُرفت باسم "مدرسة العرفاء"، (وكانت مدة الدراسة في بداية مدرسة العرفاء وفي بخت الرضا في سنواتها الأولى، أربع سنوات بعد إكمال المدرسة الأولية. ثم رفعت إلى خمس سنوات في 1940 م وإلى ست سنوات في 1944م). ثم جاءت ما عُرف بمذكرة مستر ج. س. سكوت“ 1932م ـ المفتش الأول للتعليم ـ منتقداً فيها سياسة التعليم ونُظمه، وداعياً إلى إجراء إصلاحات أساسية، وكان من أهم ثمارها هو تطوير "مدرسة العرفاء" بقيام "معهد بخت الرضا" لتدريب المعلمين على يد مستر (ف.ل.غريفيث Mr.Griffiths في العام 1934م.

واستمر هذا النظام التعليمي في المدارس حتى فترة السبعينات من القرن الماضي، وقد صار ذلك التاريخ من المواد الماتعة في التحليل والسرد والنقاش.

قاد اللواء/ طلعت فريد ـ وهو أحد أركان نظام ثورة 17 نوفمبر في السودان بقيادة الفريق/ إبراهيم عبود ـ بين عامي 1963-1964م تغييراً كبيراً في نظام التعليم الذي وُضع على عهد الاستعمار، ولا عجب فالسيد/ طلعت فريد خريج كلية غردون، فقاد ما سُمي يومها بـ(الثورة التعليمية) وذلك إبان توليه حقبة وزارة التعليم ـ بعد أن قام بتغيير اسمها من "وزارة المعارف" وتمَّ

اللواء/ طلعت فريد

فتح عدد كبير من المدارس الوسطى والثانوية في شتى بقاع السودان، كما أعيد تأهيل المدارس وتأثيث القائم منها في غير مباني بمباني ثابتة. ثم جاء الانقلاب الثاني في التعليم في عهد السيد الدكتور/ محي الدين صابر الذي صار وزيراً للتربية والتعليم (1969م – 1972م)، وهو صاحب عبارة "السُلَّم التعليمي" التي غدت فيما بعد شعاراً سياسياً وكُرَةً بين الحاكمين والمعارضين لكل نظام، (حيث أضاف عامين للتعليم الأساسي، وأعاد صياغة المناهج واهتم بالتعليم الفني وتوسع في عهده التعليم أفقياً ورأسياً). وقد (شهد السلم التعليمي في السودان عدة تغييراتٍ وتعديلاتٍ منذ بداية القرن العشرين. قُسمت المراحل الدراسية في التعليم العام إلى ثلاث، سميت الأولى منها “الأولية”، والثانية “الوسطى” ثم المرحلة “الثانوية” وكانت كل فترة من هذه المراحل تمتد لمدة أربعة أعوام. وفي 1970، خلال عهد حكومة الجنرال نميري (1969- 1985)، تم تغيير مراحل التعليم العام إلى: “المرحلة الابتدائيةوتمتد لست سنوات، وبعدها “المرحلة المتوسطة” لمدة ثلاث سنوات، ثم “المرحلة الثانوية” لمدة ثلاث سنوات أخرى.

الرئيس النميري يكرم د. صابر محي الدين

وفي عهد وزارة الأستاذ المحامي عبد الباسط سبدرات للتعليم في حكومة الرئيس السابق/عمر البشير "ثورة الإنقاذ" تم دمج المرحلتين الأولى والثانية في مرحلة واحدة سميت مرحلة “الأساس”، ومدتها ثمان سنوات، وتأتي بعدها المرحلة “الثانويةلمدة ثلاث سنوات، وبذلك نقص إجمالي سنوات التعليم العام من 12 عاماً إلى 11 عاماً، مضاف إليها فترة التعليم قبل المدرسي التي تمتد لعامين حسب ما ينص قانون تخطيط التعليم العام، ويفترض أن يقضيها الأطفال إما في الروضة أو الخلوة).

الأستاذ/ عبد الباسط صالح سبدرات

 وبالعودة إلى سيرة الراحل/ كمال جابر ـ والذي شهد كل تلك المراحل والانقلابات التعليمية طالباً ومعلماً ـ فقد تدرب الأستاذ المعلِّم/ كمال في بخت الرضا على مادتين أساس هما اللغة الإنجليزية واللغة العربية بالإضافة لمادة التاريخ. ولنستشف صورة التأهيل الذي كان يتلقاه المعلم في عصر أولئك العمالقة من المعلمين أسرد ما قصَّه عليَّ الأستاذ/ عبد العظيم عبد اللطيف من سيرة صلته وصداقته بالراحل الأستاذ/ عبد المنعم جابر (شقيق الأستاذ/ كمال)، في فترة التدريب إذ قال:( تزاملنا في فترة التدريب ضمن الدفعة (33) بـ"معهد معلمي للمرحلة الوسطى" ـ وهو الاسم الرسمي لمعهد بخت الرضا ـ حيث سكنَّا بغرفة واحدة واشتركنا في مجموعة اللغة الإنجليزية، فقد تخصصت في مواد المجموعة الأولى التي كانت تضم مواد (اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم)، وتخصص هو في مادة (اللغة الإنجليزية) من المجموعة الأولى ومواد (اللغة العربية والتاريخ) من

الأستاذ/ عبد العظيم عبد اللطيف

المجموعة الثانية بالإضافة إلى اشتراكنا في مادة (التربية الرياضية) من مجموعة المناشط التي كانت تحوي بالإضافة إلى (التربية الرياضية) مواد (التربية الفنية والتربية الريفية)، وكانت مادة (الدراسات الإسلامية) إجبارية للجميع وكانت محاضراتها مرتين في الأسبوع ومن أطول محاضرات المعهد). إذن فقد تدرب الأستاذ الراحل/ كمال جابر على المناشط في فترة الإعداد ببخت الرضا، الأمر الذي يفسر اهتمامه بها، فقد صار هاوياً للعزف على آلة العود، بالإضافة إلى اهتمامه الرياضي والمسرحي الأمر الذي انعكس على أدائه التعليمي الذي صهر وسخَّر كل تلك المواهب والاهتمامات لتجعل في الاستماع إليه جاذبيةً وتأثراً 

كبيرين يدركهما كل من كانت له صلة بالراحل من الطلاب أمثالنا ومن الأصدقاء وما أكثرهم كما سنعرض لبعضهم بمشيئة الله تعالى.

ثم التحق الأستاذ الراحل/ كمال جابر بمعهد تدريس اللغة الإنجليزية Sudan English Language Teaching Institute والذي كان يُعرف اختصاراً بـ "سلتي" (SELTI)، وذلك قبل أن يُغيَّر اسمه إلى مركز السودان القومي لتعليم اللغات Sudan National Center for Languages والذي صار يُعرف اختصاراً باسم "سوناسل"، وكان قائماً يومذاك بمقر نادي العمال بالخرطوم ـ جنوب تقاطع "شارع السيد عبد الرحمن" مع "شارع القصر"، ونال شهادته " دبلوم معهد السودان لتدريس اللغة الإنجليزية" في العام 1981م.

عمل الراحل بعد ذلك وكيلاً بالمدارس المتوسطة ثم مديراً لـ "مدرسة النميري المتوسطة بنين"، والتي شهدناه بها ونحن تلاميذ بين عامي 1980م – 1985م، ولتلك الفترة عودةٌ وجولة فهي ليست بالتي يمرُّ عليها المرء في عجالة، ولسيرة الراحل فيها حضورٌ وريف.

الأستاذ/ كمال جابر

 ثم تمَّ ترشيح الأستاذ الراحل/ كمال جابر بواسطة الزائرين من متعاوني المجلس البريطاني مع المعهد للابتعاث إلى جامعة "لانكستر" بالمملكة المتحدة، ليتخصَّص بها في "الطريقة التواصلية لتدريس اللغة الإنجليزية" Communicative Teaching of English. ليعود منها بعد عامين من الدراسة في العام 1987م.

ثم التحق الأستاذ الراحل/ كمال جابر مدرِّباً بـ "معهد التأهيل التربوي" بمدينة دنقلا حيث تعرَّف فيه عن قُرب بالمعلِّمة ـ المتدرِّبة والقادمة إلى المعهد من إحدى المدارس المتوسطة بمدينة دنقلا ـ الأستاذة/ نعمات حسن محمد خير عشيري، المشهورة بـ "نعمات عشيري" والتي صارت زوجته لاحقاً، ولا بد كذلك من العودة لها في شيء من الحديث، فالأستاذة نعمات إحدى قياديات التعليم في الولاية الشمالية وذات سيرة شجيَّةٍ في حياتها مع الأستاذ الراحل زوجةً، ومع مدراء للمدارس المتوسطة في دنقلا وغير ذلك.

الأستاذة/ نعمات عشيري

تم انتداب الأستاذ الراحل/ كمال جابر للعمل بجمهورية اليمن في العام 1992م، وتزامن دخوله إليها مع قيام "حرب الوحدة اليمنية" بين شطري اليمن. نزل الراحل مدينة "المحويت" التي تبعد نحو 111 كلم عن العاصمة صنعاء. وكانت المدينة تضم عدداً من الأسر السودانية فاقت العشرين أسرةً عاشت بترابط بينها، وقد سكنت هذه الأسر على امتداد شارعٍ في المدينة سماه اليمنيون "شارع الخرطوم" لذلك.

رجع الأستاذ الراحل من اليمن ليكون موجهاً تربوياً بمدارس "وحدة دنقلا – محلية دنقلا" في العام 2003م، ثم محاضراً متعاوناً بـ "مركز السودان للغات" (سوناسل) بمدينة دنقلا.

حفلت حياة الراحل العملية بالكثير من القضايا والأمور التي تستدعي تسليط الضوء عليها بكثير من التحليل والوقوف على تفاصيلها للفائدة.

الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

 مربي الأجيال.. الأستاذ/ كمال جابر ... الإنسان العامر (2)

الأستاذ/ كمال جابر ... سيرةٌ وسريرة (1)

لقد كان للسيد/ محمد أحمد جابر وزوجه السيدة/ آمنة محمد علي دفع الله الشهيرة بـ "آمنة حِميْدَة" موعداً مع القَدَر في شهر مايو من العام 1950م لِيُولد لهما أستاذُنا الراحل/ كمال جابر ـ كما اشتهر اختصاراً عند الناس ـ كثالث الأبناء لهذه الأسرة الصغيرة يومذاك، فقد تمدَّدت الأسرة بعد ذلك وقبله، فضمت من الأبناء والبنات كلاً من:

·       أوَّل الأبناء: الأستاذ/ عبد المنعم محمد أحمد جابر، معلم اللغة الإنجليزية بالمدارس المتوسطة. وقد تزوج من السيدة/ اعتدال خليل علي خليل. والسيد/ خليل هو أحد أئمة مسجد دنقلا العتيق، وهو رجل من "الريف المصري" قدم إلى مدينة دنقلا بصحبة "السيد الأدريسي"، الذي اشتهر بالنسبة إليه فكان يقال له "خليل السيد"، وقد زوَّجه "السيد الإدريسي" من السيدة/ فاطمة فضل، التي اشتُهرت بلقب "فشودة"، وهي أول معلمة في محافظة دنقلا، إذ تمَّ تعيينها معلمةً في العام 1925م. وهي الأخت غير الشقيقة للشاعر الكبير/ شاكر مرسال الذي زامل السيد/ الرشيد الطاهر بكر ـ رئيس القضاء الأسبق للسودان ـ وذلك في مدرسة حنتوب الثانوية، وكان رئيساً لداخلية "عنجة" بها. ثم التحق بكلية غردون وكان من الرعيل الأول من خريجيها. ثم عمل بالتدريس ومن تلاميذه في مدرسة "كوستي" شاعر الحزب الشيوعي السوداني "عبد الله شابو". كما يُعد الشاعر شاكر مرسال الأستاذ المهلم لغالب شعراء اليسار السوداني في حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، أمثال الشاعر صلاح أحمد إبراهيم والأستاذ عبد الباسط سبدرات ومحمد المكي إبراهيم (أحد مفكري مدرسة الغابة والصحراء التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي) وغيرهم. قال فيه الشاعر/ كامل عبد الماجد:( النقابي الشهير شاكر مرسال أيضا من ابناء حنتوب.. وان فاتني ذكره ضمن اهل السياسة والنضال الوطني). ومن أشعار "شاكر مرسال" ضد حكم الرئيس الأسبق الفريق/ إبراهيم عبود قوله:



وُلدتَّ سفَّاحاً فما أنتَ حُرْ..

واجِهْ مصيرَكَ أوِ انْتَحِرْ..

                                    

الشاعر/ عبد الله شابو

                                          وشعبي عظيمٌ .. وحزبي عنيدٌ شديدُ المِرَاسِ عظيمُ الخَطَرْ

                                 ومن أشعاره ضد الاستعمار:

                                      ها هو الخِنْجرُ في قبضة مَنْ مزَّق صدرَكْ..

                                      هو الحفَّارُ قد أوشك أن يُنْهِيَ أمرَكْ..

                                     أيُّها الشعبُ تحرَّكْ..

      وأنجب السيد/ خليل علي خليل من الأستاذة/ فاطمة فضل "فشودة" أبناءه الذين منهم السيدة/ اعتدال خليل زوجة أستاذنا الراحل/ عبد المنعم جابر. أما شقيقتها "نادية خليل" فهي زوجة السيد/ عبد الله شيخ إدريس
الأستاذ الراحل/ عبد المنعم جابر
شقيق الداعية الإسلامي الشهير بروفسير/ جعفر شيخ إدريس.

·       ثاني الأبناء السيدة/ حياة جابر محمد أحمد جابر، زوجة السيد/ صلاح الدين الحاج وقيع الله، الأخ غير الشقيق للأستاذ/ بشير الحاج وقيع الله"، وهو من أهالي حي "الديم" بمدينة دنقلا. كانت تجمعه صداقة وزمالة بالشيخ/ يس عمر الإمام حينما تزاملا في التدريس بمدارس مدينة كريمة.

·       ثم الأستاذ/ كمال جابر ثالث الأخوة في هذه الأسرة المجيدة.

·       ورابع الأبناء هي السيدة/ آمال محمد أحمد جابر وهي زوجة السيد/ "محمد خير علي حمدتو"، وهو من أهالي منطقة "حفير مشو" و"أرقو" و"القَعَب" بمحافظة دنقلا.

·     ثم الأستاذة/ نجاة محمد أحمد جابر، وهي زوجة الأستاذ/ إدريس حسن عبدربه، أستاذ اللغة الإنجليزية بالمدارس الثانوية بالولاية الشمالية، ثم المحاضر بجامعة دنقلا. وهو أحد الذين يجيدون تدريس اللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى تدريس علم التجويد في القرآن الكريم. وقد تعرفت به أوّل عهدي به وهو يؤمُّ حلقات التلاوة لتعليم قراءة القرآن الكريم بمسجد السيد/ عبد المتعال "الفاروق" بدنقلا، في النصف الأول من عقد ثمانينيات القرن المنصرم، فما توقَّفتُ في فهم معنى كلمةٍ في القرآن أو إعرابها إلا وفتح عليَّ بها فأدهشني لمَّا علمت أنه معلم اللغة الإنجليزية، ثم توثَّقت علاقتي به جداً وصحبته فصار مرجعي وتعلمت منه الكثير.

والأستاذة/ نجاة هي إحدى أشهر معلمات اللغة الإنجليزية بالمدارس المتوسطة ومدارس الأساس بدنقلا، فقد عملت منذ تعيينها في العام 1977م معلمةً بالمدارس فعملت بعدد من مدارس دنقلا وما تزال.


الأستاذ/ إدريس حسن عبد ربه

        ثم الشاب الغريق/ عادل محمد أحمد جابر الذي استشهد غرقاً وهو طالب بمدرسة "دنقلا الأميرية المتوسطة" الشهيرة بـ "مدرسة بهاء الدين" نسبة لأشهر مديريها الأستاذ الراحل/ بهاء الدين الشيخ، وحينها كانت المدرسة تخرج إلى مدرسة وادي سيدنا الثانوية مائة بالمائة من طلابها. وكانت حادثة غرق "عادل جابر" في العام 1976م.  

·       ثم السيدة/ هويدا جابر زوجة ابن عمها السيد/ مرغني علي أحمد جابر.

وقد اتسمت طفولة وشباب الراحل الأستاذ/ كمال جابر بالمرح والهزل وإشاعة الحبور في منزل الأسرة الصغيرة، بل امتدت بالمرح والهزل علاقات صداقاته ومجالس أُنسِهِ فكان فاكهة المجالس في الأندية و"سوق دنقلا" حيثما حلَّ. ويَعجبُ المرء حينما يسمع هذه الصفات فيه شاباً ثم يراه بكل سمات الجِدِّيةِ والإصرار معلماً ومديراً للتعليم في المدارس والمعاهد. فقد سيطر عليه حبُّ الإنجاز على التمام والكمال، فكان اسمه "كمال" بارزاً في صفاته رحمه الله تعالى.

يحكى عن الراحل في طفولته اتِّصافه بالذكاء الفطري، فلم يكن ميالاً لاستذكار الدروس، فكان متفوقاً بغير استذكار.  فكان قلق أبيه "شيخ جابر" عليه كبيراً، خوف الانجراف بعيداً عن محيط التعليم، فقد كان الأب حريصاً على إكمال أبنائه مراحل تعليمهم حتى الجامعية منها، وهو الذي حرص على تعليم أصغر إخوته "عبده أحمد جابر" حتى درس بكلية غردون الجامعية وتخرج فيها. فكان أحرص على تعليم أبنائه كذلك.

درس الراحل مرحله التعليمية الابتدائية والمتوسطة متنقلاً بين مدارس مدينتي "مروي" و"شندي"، ثم امتحن الشهادة الثانوية في العام 1968م بمدرسة مدني الثانوية إبان فترة عمل والده بها، ولمّا ظهر نجاحه الباهر لم يجد والده على قيد الحياة، إذ توفي في ذات العام قَبلاً.

بعد إكماله المرحلة الثانوية تم تعيينه معلماً بوزارة التربية والتعليم في العام 1969م، وهو العام الذي شهد قيام "ثورة مايو" بقيادة العقيد أركانحرب/ جعفر محمد نميري وبعض ضباط الجيش السوداني فتحول الولاء الجماهيري الوطني العام بتلك الثورة من التقليدية إلى الانتماء الثقافي

والفكري مع البرامج الجديدة التي رسم آفاقها ومعالمها رموز ومثقفي اليسار السوداني المشبوبين بالأدب والفن والثقافة العمالية، فكانت الأغاني الثورية الحماسية من أشهر بلابلها الفنان محمد وردي، والشعارات الأخَّاذة، والإنجازات التنموية الكبرى لذلك الزمان. وكان لكل ذلك أثر كبير على جيل الأستاذ الراحل/ كمال جابر، فقد ناصر ذلك التحول في مجمله شأن الكثير من مثقفي بلادي. وكان من أشهر مؤيدي "الثورة التصحيحية" التي قام بها الرائد/ هاشم العطا، لكنِّي سألت السيد/ محمد عيدروس السنهوري الذي رافقه في ذلك الموقف من "حركة هاشم العطا" وسُجن معه، فأوضح لي أن موقفهم لم يكن عن التزام بتوجه الحزب الشيوعي يومذاك وإنما "فورة شباب" على حدِّ تعبيره، وقد أكدت لي شقيقته الأستاذة/ نجاة أن الراحل لم تكن له صلة بالحزب الشيوعي ولم يكم من مناصري التوجه اليساري، وعلى كلٍ فقد شهدنا الراحل وهو "حمامة مسجد عبد المتعال" بدنقلا، ومِن قبلُ من أكثر أساتذتنا تديُّناً والتزاماً رحمه الله.
مجلس قيادة ثورة 25 مايو  السودانية

عُرف الراحل الأستاذ/ كمال بحبه للرياضة شغوفاً بنادي الهلال العاصمي تشجيعاً وانتماءً، كما كان أحد الشباب المؤسسين والإداريين لنادي "الرابطة" دنقلا، وهو ثاني الأندية الرياضية بالمدينة بعد "النادي الأهلي" شيخ أندية دنقلا، فلم يكن النادي الأهلي يوم ذاك رياضياً بل كان النادي الثقافي الاجتماعي قبل أن يضم فريقاً لكرة القدم. وحبُّ الرياضة كان مغروساً في هذه الأسرة، فعمُّ الأستاذ/ كمال وهو "عبده أحمد جابر" كان من أميز لاعبي الكرة الطائرة في شبابه، كما كان أخوه الأكبر الأستاذ/ عبد المنعم من محبي الرياضة بصفة عامة.

                             

الشاعر/ أحمد محمد صالح

وعلى ذكر الرياضة في سيرة الراحل لا يستطيع المرء إلا أن يتوقف في ذكر "النادي الأهلي" الذي شكل جزءاً مهماً في التكوين الثقافي لرموز مجتمع الأستاذ الراحل وجيله والذين سبقوه. فقد تأسس النادي الأهلي في العام 1943م في بيت الراحل "عامر يس" بسوق دنقلا قبل أن ينتقل لمنزل الراحل "محمد عثمان السنهوري" والد قُطب "جماعة الأخوان المسلمين" السيد/ "جمال الدين السنهوري"، والذي صار أحد أشهر المنتمين للطريقة البرهانية فيما بعد. وأثناء إقامة النادي الأهلي بمنزل السنهوري كانت الندوة الشعرية الشهيرة التي ألقى فيها الشاعر السوداني "أحمد محمد صالح"ـ صاحب ديوان "مع الأحرار" ـ قصيدته الشهيرة في دنقلا إبَّان زيارته للمدينة في العام 1948م، والتي منها قوله:

 طابَ في "دنقلا" الغداةَ مقامي   فذَكَرتُ الربيعَ من أيامــي

جئتُها يائساً كئيباً مُعنَّىً        فشنفتنــي وجدَّدت أحلامــي

ذكَّرتني الشبابَ إذْ أناْ ريَّانٌ     أجرُّ الذيولَ بين الخيـامِ

                                        أتْبَعُ الطيرَ في البكور وألْهو     لا أبالي مقالة اللُّــــوامِ

                                        إن ذات النخيل قد سحرتني      يوم رُحْنا بنظرة وابتسام

                                        وبنفس النخيل اذ لقيتنــي         في دلالٍ واعتدال قَـوَامِ

                                        لا تلُمْني إذا تدلَّهتُ فيهـا      أو تماديتُ في الهوى والغرام

                                         نيلُها الواهبُ المباركُ ينسابُ    كريماً ما بين قومٍ كِـــــرام

                                        جودهم علَّم التدفُّقَ للسيلِ    وأَرْبَى على الحيا والغمام

                                        فإذا الضيفُ حلَّ فيهم تلقَوْهُ     بوجهٍ مهــلَّلٍ بسـَّـــــــامِ

                                         أَخذُوا عن نخيلهم في عُلاها   عِزَّة النفس وارتفاعَ الْهَـــامِ

الأستاذ/ عبد المنعم صالح

كان ـ رحمه الله تعالى ـ واسع الاطلاع، مثقَّفاً، محباً للشعر العربي. سئل الأستاذ/ مصطفى محمد يس عند استضافته في برنامج "جيل العطاء" الذي يتم تقديمه من إذاعة دنقلا عن الأستاذ الراحل/ كمال جابر وقد زامله في مهنة التعليم دهراً طويلاً، وكانا ألمع أساتذتنا في "مدرسة النميري المتوسطة"، فقال فيه:( رحمه الله كان رجل مثالي، رجل طيب، رجل وديع، رجلٌ لا يعرف الحقد.كمال جابر كان رجل نظيف، ظاهره كباطنه، وسرُّه كعلنه، وهذا هو الإخلاص نفسه، فالإخلاص أن يكون سرك كعلنك. يعشق مدرسة النميري، وعمل فيها بإخلاص شديد. كان مخلصاً وشاطراً ـ نجيباً ـ يجيد اللغتين، كان في اللغة العربية ممتازاً جداً، والتاريخ أيضاً).

الأستاذ الراحل/ مصطفى محمد يس (رحمه الله تعالى)
وقال الأستاذ/ عبد المنعم صالح علي سليم ـ في برنامج "جيل العطاء" ـ وهو صديقٌ حميمٌ لأستاذنا الراحل: (الأستاذ كمال جابر كان ما يُميِّزه على أقرانه وأترابه أنه كان ذكياً فطِناً لمَّاحاً يحفظ كثيراً من الطُرَفِ والمواقف والمُلَح.. ويهتم اهتماماً خاصاً بالأدب وذلك لا ينتقص من مقدراته الفذَّة والكبيرة في اللغة الإنجليزية فقد كان له فيها باعٌ طويل ... وكانت تجمعنا به صداقة خاصة... وكان قليل الكلام ولكنَّه إذا تكلَّم جاء كلامه طيباً بلسماً شافياً... وكان يُحب الفن والشعر، وعندما يدندن أو يترنم ببعض الكلمات غناءً تكون كلماتٍ متميِّزة... عشنا أياماً من أجمل أيام حياتنا برغم قسوة الحياة يومئذٍ في اليمن، فقد خفَّف علينا كثيراً من وَطأة الغُربة ومن وحشتها لأن "الغُربة كُربة، والأهل وطن" كما يقولون... كمال جابر كان رجلاً مُتميِّزاً وبفقده فقدنا الكثير، وقد رُزِئنا فيه كما لم نُرْزَء من قبل).                                                                                              
الشاعر/ صلاح أحمد إبراهيم

ولا يعجب المرء من اهتمام الأستاذ/ كمال بالشعر وهو ابن قبيلةٍ ذات أصلٍ عربي، عرف الكثير من أبنائها اهتمامهم بالشعر، بل بالغناء كذلك، فالمطرب بالغناء الشعبي السوداني "أحمد حسن جمعة جابر" الذي كان يُشكِّل ثنائياً غنائياً مع المطرب "مرغني المأمون"، فأنتجوا أعزب الطرب الشعبي السوداني فيما عُرف بـ"أغاني الحقيبة" دهراً من الزمان، فاشتهرا بالأغاني الوطنية، ومنها نشيد "جدودنا زمان وصونا على الوطن".



أحمد حسن جمعة جابر - ميرغني المأمون