إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 1 فبراير 2021

 

مربي الأجيال.. الأستاذ/ كمال جابر ... الإنسان العامر (4)

الأستاذ/ كمال جابر ... سيرةٌ وسريرة (3)

    

(بيتٌ دعائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ)

إن المتصل بسيرة أستاذنا الراحل من أصدقائه وطلابه سريعاً ما يُدركُ الأثرَ البالغَ له وقدرَتَه في التأثير بشتى الطرق في المُتَلقِّي، وذلك أثناء حديثه أو حركته بل حتى تعبيره بالسكون الذي كان الأبلغَ منه. وإن الأثرَ المتعلق بصلاحِ وتهذيبِ الشخصية هو أسمى مهاراته وأفضلُ قدراته، كيف لا وهو المعلِّم الرسالي المصقول بالمعرفة والمهارات والمواههب، فضلاً عن النفس الشفيفة والروح الطيبة وصدق الأحاسيس ... 

لم يقتصر بذل الراحل لكل تلك الصلات على أسرته الممتدة لا الصغيرة، بل لم يقتصر عطاؤه من ذلك على أصدقائه وخلانه، بل لم يقتصر عطاؤه من ذلك على طلابه وتلاميذه... فقد عُرف كمال جابر الإنسان بكل تلك الصفات في مجتمع مدينة دنقلا، ولكنَّ بيتَه الكبير وبيتَه الصغير أشهدُ في ذلك الفضل وأَبْيَنُ لرحاب ذلك الجِنَان وفضلِ ذلك الإنسان... يَصدُق في حقهما قول الفرزدق:

                فَرعانِ قَد بَلَغَ السَماءَ ذُراهُما      وَإِلَيهِما مِن كُلِّ خَوفٍ يُعقَلُ

فقد زان بيْتَيْه حلمٌ وعلمٌ وأدبٌ يرفع الشأن في الحياة شُكراً وبعد الممات ذِكراً، وذلك لأكثر من واحدٍ من البيتين رجالاً ونساءً.

ارتبط الأستاذ الراحل طول حياته بوالدته الحاجة/ آمنة حِمّيْدة، صلةً وبِراً وملازمةً، فقد مكث شطر حياته الزوجية الأول مقيماً في "البيت الكبير" ـ منزل المرحوم والده ـ تقديراً لوالدته التي ما كانت تطيق فراق ذلك المكان الذي ضمّ أجمل ذكريات العمر مع مَن مضى مِن الأحبة، زوجها/ الشيخ جابر وابنها وحبيبها المرحوم/ عادل....

تروي السيدة/ نعمات عشيري عن الأستاذ الراحل بقولها:(كانت علاقته بأمِّه قوية جداً إلى درجة لا يمكن تخيلها، وقد تُوُفِيَتْ بعده بسنتين)، وقالت: كان يخدمها في كل شأنها فيُسارع إلى نعليها يُعدِّلها مخافة ن تتعثر بها. وكان أثناء وجوده في دولة "اليمن" إذا أحضر أكلاً شهياً يتحسَّر على
والدته التي لم تشهد معه ذلك الطعام... وصلة الراحل وبرُّه بوالدته كان مشهوداً بين أصحابه من أهله وغيرهم، وقد ذكر ذلك عنه صديقه السيد/ عوض مصطفى إبراهيم.

وأثر الوالدة الحاجة/ آمنة حميدة في شخصية الراحل بادية، فقد حفرت فيه وأبلغت في الطابَع. وقد وصفت السيدة نعمات زوج الراحل الحاجة آمنة حميدة بأنها "كانت شخصيتها قوية، وتتمسك بما ترى جداً). وهي بذلك تصدِّق قول أمير الشعراء شوقي في وصف أثر الأمِّ في الولد بقوله:

 

الشاعر/ أحمد شوقي

  لَولا التُّقى لَقُلتُ لَم     

                يَخلُق سِواكِ الولَدا

  إِن شِئتِ كانَ العَيرَ أَوِ     

            اْنْ شِئتِ كانَ الأَسَدا   

  وَإِن تُرِد غَيّاً غَوى   

                أَو تَبغِ رُشداً رَشَدا

   وَالبَيتُ أَنتِ الصَوتُ فيهِ 
                وَهْوَ لِلصَوتِ صَدى
 
    بل كان أستاذنا الراحل ـ رحمه الله تعالى ـ واصلاً لرحمه جميعهم، طوَّافاً عليهم، عطوفاً بهم. قال في ذلك ابن عمه الأستاذ/ صلاح جمعة أحمد جابر:(كان يصل الرحم، ولا يُقصِّر فيه، يتفقد أهله، ويحرص على زياراته لهم، ولا يقبل أن يسمع فيهم شراً أو أذى. كل أهلنا يشعرون بقربه منهم، فكان أوصل أهلنا رَحِماً). وقال:( كان رابطاً للأهل في أعياد الأضحى، فكنا نجتمع عند واحد من أهلنا كل يوم وقد ننتقل في اليوم إلى أكثر من واحد. ثم انقطع ذلك بموت الأستاذ/ كمال رحمه الله تعالى، فقد كان هو المحرِّك لهذا الفعل). وفي صلته لأهله تذكر السيدة زوجه أنه كان باراً بأهله، فمن أهله من قدَّم لنا بعد مماته رداً لكثير من إحسانه عليهم وما كنا نعلمُ شيئاً من ذلك إلا من خلال حديثهم عنه بعد مماته. كما كان بيته يأوي كثيراً من أبناء الأسرة الممتدة من الطلاب فرعاهم رعايته لأبنائه. 
عوض مصطفى إبراهيم
    وعلى هذه السيرة في رعاية أسر دنقلا للطلاب ـ من أهلهم وغير أهلهم ـ فقد عُرفت أسر دنقلا بذلك الأمر الذي اكتسبوه من إرث "خلاوى القرآن الكريم" التي انتشرت في ربوعها داخل المدينة وخارجها فكانت الأسر هي التي تأوى طلاب الخلاوى في بيوتها إذا ضاق المسكن بهم في تلك الخلاوى. وأذكر قصةً في ذلك رواها السيد/ عوض مصطفى إبراهيم  صديق الراحل ـ أنه ذات مرةٍ استوقف سيارةً من سوق المدينة لِتُقلَّله إلى منزله، فركب خلف السائق لأن جواره كان مشغولاَ بالأستاذ الراحل/ حسن ساتي زيادة ـ وهو من كبار المعلمين من أهالي "جزيرة بنا"، فمرّت السيارة من أمام منزل والد السيد/ عوض مصطفى، فقال الأستاذ/ حسن ساتي ـ وهو يُشير إلى ذلك الدار ـ متأثراً تأثر الكريم، كأن الشاعر عَنَاهُ حينما قال (إنْ أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكته)، فقال: لقد مكثتُ في مضيفة هذا الدار ونحن طلاب في المرحلة الثانوية سنين عدداً ومعي إخوة وصاحبة الدار تخدمنا وهي لا تعرفنا. فقال السيد/ عوض: سألته ما اسمها؟ فقال: "تُفَّاحة". فقلت له هي والدتي وهذا بيتنا الكبير. فما تعجَّب لأن هذه كانت سُنَّة أهل دنقلا البررة.

كان شأن الأستاذ الراحل/ كمال جابر في بيته منطلقاً من دوره الرسالي وشخصية المعلم فيه، فكان يمزج بين الحنان لبنيه والمراقبة لسلوكهم والاهتمام بهمهم. فقد قالت السيدة نعمات زوجه إنها استفادت منه جداً في مهامها في إدارة المدارس عبر توجيهه ونصائحه في طرق التعامل مع العاملين جميعهم في المدرسة وغير ذلك. ومما سهّل عليه ذلك أنَّ الأستاذة نعمات كانت هي الأخرى معلمة

الأستاذ/ صلاح جمعة جابر

للغة الإنجليزية وفي ذات المرحلة المتوسطة التي كان يعمل بها الراحل. بل وتول السيدة نعمات لقد كنت كثيرة الضجر في أول حياتي فغَيَّر الراحل فيَّ ذلك بسلوكه وتوجيهه، فكان صبوراً جداً رحمه الله، فكان من كلامه (الحياة لا تسير مع الإنسان بوتيرة واحدة) وكان من طبعه أنه لا يرضى بالفشل. وقالت:( كان له تأثير كبير في شخصيتي).

وتذكر السيدة نعمات عن يوم الراحل في بيته أنه كان حريصاً على صلاة الفجر يوقظ لها أولاً أمَّه التي أقامت معه حتى وفاته، ولربما زارتهم فأقامت معهم كذلك فتراتٍ والدة الأستاذة نعمات، وقد تزامن وجودهما يوم وفاته رحمه الله تعالى. كما كان يحرص على متابعة الشأن العام عبر مشاهدة البرامج السياسية والاجتماعية في التلفاز برغم ما اتُّصف به من قلة الكلام ورغبته عن النقاش وعدم ميله له. ومن طرائف ما تحكيه السيدة نعمات عنه أنه كان يقول لها: لا تكثري معي الكلام لأني لا أسمع من كلامك إلا ما أريده فقط. وكان مُتَنَفُّسه في مشاهدة مباريات كرة القدم، ولربما ركَن إلى عزف آلة "العود" أو "الأورقن" أحياناً، ولكنه كان أحرص على حضور ملتقيات المعلمين في تجمعاتهم، وكان أشدهم حرصاً عليها. ففي دنقلا كان "دار المعلمين" يجمع قبيلة المعلمين كل مساء عقب صلاة المغرب وحتى بُعيد صلاة العشاء، وفي "اليمن" كان ملتقى المعلمين هو "دار العَزَّابة"، وهو سكن المعلمين غير المتزوجين أو الذين لم تصحبهم زوجاتهم إليها. ويُضيف الأخ/ محمد كمال جابر: إنه على الرغم من كثرة خروج الوالد من البيت إلا أنه كان يحرص على "الصينية". يقصد حضور وجبات الأكل الرئيسة في البيت، وتجمع كل أفراد الأسرة حولها، فيراقب طريقة أكل أبنائه ويوجههم فيها، فلا حديث أثناء الأكل ولا إسراف ولا عجلة فيه. وتُضيف السيدة نعمات عنه أنه كان ـ رحمه الله ـ يتضجر جداً من الكلام في الناس والتعليق على أحوالهم فلا يحب أن يسمع من أهل بيته شيئاً من ذلك.

الأستاذ الراحل/ حسن ساتي زيادة
وقد اهتم بإعداد ابنه محمد باكراً منذ دراسته في المرحلة الابتدائية، فكان رفيقه في كثير من مهامه المنزلية، وكان محل استشارته في بيعه وشرائه وجُلِّ تعاملاته، وكان محل أسراره في شؤونه المالية. فكان قريباً جداً منه حتى قالت السيدة نعمات :(محمد كان لأبيه at the top). ولم يكن اعتناء الراحل وتقريبه لابنه محمد من باب التمييز بين الأبناء، وأنَّى للراحل أن يفعل ذلك وهو الذي
لم يُميِّز بين تلاميذه ولو على أساس التفوق الأكاديمي من بعضهم، بل كان ذلك منه لأنّ محمد أكبرُهُم، ومن يليه من الذكور لم يكد يبلغ الخامسة عشر من عمره، فكان من الطبيعي في طور التدريب على مسؤوليات الحياة لابنه الأكبر أن يفعل ذلك. ولعل إحساسه بدنو أجله دعاه لأن يكلفه بالسعي في حوائج الأسرة الصغيرة وهو لم يزل يافعاً ـ وقد كان ذلك مثار شفقة زوجه على ابنها كثيراً لكنه كان مصرًّاً على إعداده ذلك وأفلح ـ حتى شبَّ محمد على الاطلاع بمسؤولية إخوته بعد موته عوناً لوالدته، التي وصفت أبناءها بقولها (ما أتعبوني أبداً).

ولئن قيل إن (وراء كل رجلٍ عظيم امرأة) فقد كان وراء عظمة الأستاذ الراحل امرأتان، الأولى أمُّه والثانية زوجه السيدة/ نعمات حسن محمد خير عشيري. تنحدر الأستاذة/ نعمات من سلالة نوبية ورثتها عبر جدتها لأمِّها الدنقلاوية، وسلالة مصرية عبر أخرى لأبيها، وقطنت قرية "ناوا" من "دنقلا العجوز"، وما أدراك ما "ناوا" ثم ما أدراك ما "دنقلا". وتوزعت أصولها بين قرى "ناوا" و"كدكول" وآل "سيراب" من "السَّير" في شمال دنقلا. فاجتمع للأستاذة نعمات تراث العراقة والدماء. وقد قال الأديب المصري شوقي ضيف في حق أمير الشعراء شوقي: (انتخبتْ ربَّةُ الشعر "شوقي" ... وأعدَّت له كل شيء ليكون شاعراً ممتازاً ... وكانت أول ما أعدَّت له مِيراثَ دَمِهِ وأعْرَاقِهِ). يرجع ذِكر "ناوا" و"دنقلا" إلى عهد فرعون مصر الذي استجلب منها السحرة في صراعه لنبي الله تعالى موسى ـ عليه السلام ـ حسبما أورد الإمام ابن كثير المفسِّر والمؤرخ. ثم تجدد ذكرها بإمام

الأستاذة المربية/ نعمات عشيري

مصر وعالمها يزيد بن أبي حبيب الدنقلاوي التابعي شيخ الليث بن سعد، والذي روى له الإمام البخاري في صحيحه بضعاً وعشرين حديثاً. ثم احتوت الصحابة الذين أسسوا بها أول مسجدٍ بالسودان وهو "مسجد عبد الله بن أبي السرح" فسُميِّت تَيَمُناً باسم "ناوا الأتر"، لما بها من آثار الصحابة رضي الله عنهم. كما أنها أرض أعلامٍ في السودان كان لهم شأن، منهم الشهيد المشير/ الزبير محمد صالح، نائب الرئيس الأسبق للسودان. ومنهم العالم الدكتور/ عبد الحي يوسف.    

اغترب السيد/ حسن محمد خير عشيري والد السيدة نعمات منذ بدايات سبعينات القرن الماضي بالمملكة العربية السعودية، ثم امتهن الزراعة بعد عودته بقرية "ناوا". وقد كانت الأستاذة نعمات هي البنت الوحيدة لأبيها بين إخوانها، الذين اشتهر منهم الأستاذ المربي؟ محمد حسن. كما اشتهر من "آل عشيري" أعمام الأستاذة/ نعمات؛ الأستاذ الصحفي/ محمد عشيري الذي عمل في الصحافة بدولة "الكويت"، وصاحب درجة الدكتوراه في اللهجة النوبية، وفُجع السودانُ مؤخراً بموت عمِّها الأستاذ المحامي الشهير "سيد أحمد عشيري"، ذلكم الإنسان ذي العِشرة الطيّبة الذِّكر الحسُن.

أكملت الأستاذة/ نعمات عشيري تعليمها بالمرحلة الثانوية بمدينة دنقلا في العام 1981م، وعملت بالتعليم بمدرسة "كرمة البلد" شمال مدينة دنقلا، ثم انتقلت إل

الأستاذ/ عبد الوهاب حسن سعد الدين

ى مدينة دنقلا فعملت بعدد من مدارسها أولها مدرسة "بهاء الدين المتوسطة"، وعملت تحت إدارة أشهر المديرين من المعلمين أمثال الأساتذة عبد الوهاب حسن ومصطفى طه وصلاح مرتضى عبده). ثم غدت من أشهر مديري المدارس بفضل الخبرة التراكمية الواسعة، ثم صارت من أكبر إداريي التعليم بالولاية الشمالية.

أكبر أبناء الراحل الأستاذ/ كمال جابر هو "محمد كمال"، الذي درس مراحله التعليمية بدءً بمدرسة عبد الله بن أبي السرح الأساسية بمدينة دنقلا، ثم المرحلة الثانوية بمدرستي الشهيد/ أحمد قاسم ومدرسة دنقلا الثانوية النموذجية، وتخرج في كلية التقانة والتنمية البشرية بجامعة دنقلا (محاسبة)، ويعمل حالياً بالسلطة

الأستاذ/ مصطفى طه

القضائية في الجهاز القضائي بالولاية الشمالية. وهو متزوج من السيدة/ ماريا يوسف محمد عثمان أرقاوي، ولهما من الأبناء "كمال" و"جوري". وقد تخرجت السيدة/ ماريا في "الأكاديمية الأمريكية" الجامعية، في (تخصص "الاحتياجات الخاصة" – إعاقة ذهنية / إشارة وتخاطب). وهي ذات قربى له من جهة الأم، من قرية "كدكول". وآل "أرقاوي" أسرةٌ ذات مشاهير، فوالد السيدة/ ماريا من قيادات الخدمة المدنية السودانية في قطاع التأمينات الاجتماعية إذ شغل بها موقع مدير ولائي لعدد من الولايات، كانت الولاية الشمالية واحدة من تلك الولايات التي شغل بها موقع مدير التأمينات لإحدى فترتين متفرقتين عمل بهما في الولاية. وهو كذلك من مشاهير قيادات العمل الإسلامي في مدينة "القضارف ."كما أن الشيخ/ ميرغني محمد عثمان الذي رأسَ الجالية السودانية باليمن عشرات السنين، قد شغل منصب الأمين العام لهيئة "تزكية المجتمع"
يوسف محمد عثمان أرقاوي

بالسودان، وشغل عدداً من المواقع الدستورية الولائية في عهد ثورة الإنقاذ الوطني، آخرها وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الولاية الشمالية، وهو ما يزال عضواً بـ"هيئة علماء السودان، والأمين العام لـ"هيئة الدعوة الإسلامية".

أما الطبيبة الصيدلانية الآنسة/ أمامة كمال جابر فهي ثاني أولاد الأستاذ الراحل. درست مراحلها التعليمية بدءً بمدرسة أم المؤمنين الأساسية بنات، ثم المرحلة الثانوية بمدارس الشهيد/ كمال علي مختار ومدرسة "المتفوقات"، وقد أحرزت المرتبة الأولى على مستوى الولاية الشمالية في امتحانات شهادات الأساس والثانوية، ونالت بذلك تكريماً مميزاً من والي الولاية الشمالية آنذاك اللواء الركن/ الهادي بشرى، شمل تكريمها أراضي سكنية خُصِّصت لها. ثم تخرجت في كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم.   

محمد كمال جابر
أما المهندس/ أحمد كمال جابر، وهو ثالث الأبناء، والذي هو أقرب الأبناء لأبيه شَبَهَاً وطَبْعَاً. وهو من مواليد "جمهورية اليمن". وقد درس مرحلة الأساس بمدارس المعهد البريطاني بمدينة دنقلا ـ التي شارك الأستاذ الراحل في تأسيسها بالولاية ـ وامتنحن للشهادة الثانوية من مدرسة المتفوقين في دنقلا. ثم تخرج في كلية "النفط والمعادن" بجامعة النيلين.

وأصغر أبناء الأستاذ الراحل فهو مصطفى. وقد درس مرحلة الأساس بمدارس المعهد البريطاني بمدينة دنقلا، ثم المرحلة الثانوية بمدرسة الشهيد/ أحمد قاسم الثانوية، وهو مازال طالباً
بكلية التقانة والتنمية البشرية بجامعة دنقلا (تقنية المعلومات
(.

لقد كان يوم الثلاثاء الموافق الثالث عشر من شهر مارس من العام 2007م يوماً مفاجئاً لهذه الأسرة في أقداره، فقد غدت الأستاذة نعمات باكراً إلى عملها الرسمي لتصحيح امتحانات الشهادة للممتحنين من تلاميذ مرحلة الأساس بعد واجباتها الأسرية الصباحية، تاركةً خلفها الراحل بالمنزل على أتمِّ حالته الصحية، بل أوصاها بالمرور في طريقها على أبناء أخته الأستاذة نجاة جابر التي كانت تخضع لعملية جراحية بالخرطوم، كما أوصاها بإحضار نوع من الحبوب المسكنة لآلام المعدة، التي

الأستاذ الراحل/ عبد الله عطيوي

يبدو أنها طرأت عليه في ذلك الصباح، فقد طلب من ابنه محمد تدليك رجليه لفتور ألمَّ به. ولمَّا كانت الأستاذة تهمُّ بالعودة للمنزل بعد ساعات من خروجها تلقَّت اتصالاً من
ابنتها "أمامة" تخبرها بأن والدها يتوعك وتطلب حضورها. فتقول الأستاذة إنها عند عودتها وجدته كما تركته بصحة جيدة، لكنَّ أبناءها أخبروها بأن الراحل قد سقط فجأةً مما دعاهم لاستدعائها. وبعد إلحاحٍ منهم وبحضور أبناء عمومته الأساتذة/ "صلاح جمعة" و"عبد الله عطيوي". وعند المستشفى تلقاه صديقه الطبيب/ محمد عباس الذي شخَّصَ حالته بأنها "ذبحة" عارضة وأن حالته تستدعي نقله للخرطوم.

وفي يوم الخميس الموافق 15 مارس2007م وفي مشفى "مستوصف الفيصل" بالخرطوم أكَّد الأطباء تشخيص "الذبحة"، وأنهم سيعملون جاهدين من خلال عملية جراحية لإسعافه، ولكنَّ نسبة نجاحها غير مؤكدة. ثم بعد نحو ثلاث ساعات من إجراء العملية الجراحية أسلم الأستاذ الراحل ـ رحمه الله تعالى ـ روحه إلى بارئها. ثم نُقل جثمانه فَوُوْرِيَ الثرى بمقابر "قيامة" بمدينة دنقلا.

قال الأستاذ صلاح جمعة:(أذكر له عند احتضاره ـ وقد جئته زائراً ـ أنه سألني عن أذان الظهر، وهل حضرت الصلاة؟ قلت: نعم. فقال: ـ وقد أصاب بعض جلبابه دماً ـ "اغسل لي هذا الدم حتى أصلي". فكان أَحرَصُ على الصلاة. وفي مثل تلك اللحظات لا يذكر الصلاة إلا من ارتبط بها في حياته بعمق).

وقال محمد كمال إنَّ جدته الحاجة "آمنة حميدة" لم تُر يَهُزُّها أمرٌ مثلما هزَّها موت والده، فلم تلبث بعده أن توفيت في العام 2009م.