إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

أحمد علي الإمام....حياة عشتها وإيمان وجدته



* ما أفضل أن يترك آخرٌ فيك آثاراً تجدها في نفسك أنى اتجهت في الحياة...ما أروع أن تذكر آخرَ بالتقدير الذي وجدته منه وأنت طفل لا تملك في الحياة ما تستحق به التقدير، ولكنه عطاءٌ من ذات عُرف التقدير ركناً فيها.ما أروع أن يهبك آخر الانتباه لطرق الحياة المتعددة جِداً ومرحاً وتندراً وعلماً واجتماع.
ما أروع أن تجد آخر في نفسك دفئاً أبوياً... وصداقة أنداد... وتواضعاً بالاستشارة  والنقاش.
* لقد سلبني الدهر بفقد أحمد علي الإمام مذاقاً للحياة، وميداناً في العمر مارست فيه ذاتي، وقدوةً أسرتني بالتقدير الفياض.
 ما أشد حيرتي فيما أفعل...أأكتب الشعر تأسياً بالخنساء؟ أم أعتزل الناس كهروب المعري.. أم أنكرهم ككفر الحطيئة بالغير.
حسبنا الله ونعم الوكيل...ولا حول ولا قوة إلا بالله

السبت، 10 نوفمبر 2012

مجالس المرحوم الأستاذ/مصطفى محمد يس(7) شخصيات في الذاكرة والذكر(1)

لست بصدد الحديث أو الترجمة لعدد من رموز مجتمع مدينة دنقلا من روادٍ للتعليم وسياسيين وغيرهم بقدر ما أنا معنيٌ في هذه السانحة بالتذكير بهم في صدد الذكرى التي لا تفارقني من ذكريات شيخي الراحل/ مصطفى محمد يس رحمه الله تعالى. فما كان مجلسه يخلو من ذكر أحد الفضلاء وإتحاف السامعين لقطفٍ من آثاره وسيرته، على تلك الطريقة الفريدة التي كان يتمتع بها الراحل في نقل الإعجاب، وكانت مداخله للحديث عن الشخصيات جاذبة، فتصديره للكلام بلفظة "أوووه، ده إيه ده" كانت كفيلة بملك الأسماع وشدِّ الانتباه.
وممن سمعت ذكره على لسان الراحل عدد من الأعلام ضمّنت كثيراً منهم مرثيتي التي رثيت فيها الراحل. ولم أستطع في مدونتي إيراد الهامش الذي أترجم فيه لأولئك النفر، فقدّرت أن أشير إليهم هنا، مع ذكرٍ قليل لعل لغيري بهم معرفةً أكثر يوردها تعليقاً.
من أولئك الذين سمعت بهم من شيخي الراحل/ مصطفى محمد يس ذلك الرمز المعروف في مدينة دنقلا باسم "علاّم"، أحد أعلام التعليم المؤسسين، وقد تردد هذا الاسم في فترات باكرة في أسماء الفصول في مدارس دنقلا.
ومن أولئك الأعلام في مدينة دنقلا السيد الشريف الإدريسي رائد الطريقة الإدريسية في السودان، وأولاده المعروفين باسم "الأشراف"، وقد عُرف أكثرهم بالتقوى والورع والكرم، ومقارُّهم مشهور في الولاية الشمالية في أكثر من مدينة منها دارهم الشهير باسم "دار الأدارسة" في مدينة دنقلا.
ومن أولئك الأعلام الذين أكثر الراحل من ذكرِهم شيخُه في طفولته الشيخ/ علي محمد عبد الله المشهور بالشيخ "علي الإمام" هو إمام مسجد دنقلا العتيق، وهو والد البروفسور الراحل/ أحمد علي الإمام. وهو أول من تلقى المرحوم/ مصطفى محمد يس العلم على يديه، وكان كثير الذكر له. ومما أكثر ذكره له معرفته بعلم "النحو"، وكان كثيراً ما يردد مقولةً للشيخ/ صالح الجعفري ـ أحد أعلام مدينة دنقلا الأزهريين :( قلّ من فهم النحو في الأزهر الشريف مثلما فهمه الشيخ/ علي الإمام)، ويروي عنه الراحل الأستاذ/ مصطفى يس نكتةً في الإعراب من إعراب قول الله تعالى: ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭼ. منوِّهاً بالبراعة وسعة الأفق والفلسفة القيِّمة في علم النحو، يقول كلاماً نحو هذا: "تِ" اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفعٍ بالابتداء، والـ"لام" للبُعد، والكاف حرف خطاب لا محل له من الإعراب. "الرسلُ" مبتدأ ثاني مرفوعٌ بالابتداء، وعلامة رفعه الضمةُ الظاهرةُ على آخره. "فضّلنا": فضّل فعلُ ماضٍ مبني على النصب، و"نا" ضميرٌ مبني على السكون في محل رفعٍ فاعلٌ. "بعضَهم": "بعضَ" مفعولٌ به منصوب بالفعل الماضي، والهاء للإشارة والميم للجمع، "على" حرفُ جرٍّ، و"بعضٍ" اسمٌ مجرورٌ بحرف الجر، وشبهُ الجملة من الجارِّ والمجرور لا محل له من الإعراب، والجملة الفعلية في محل رفعٍ خبرٌ للمبتدأ الثاني. والجملة الاسمية من المبتدأ الثاني وخبره خبرٌ للمبتدأ الأول.
وقد توفي الشيخ/ علي الإمام في دنقلا وهو مقبورٌ في مقبرة الشيخ/ منصور بمدينة دنقلا.
ومن أولئك الأعلام الأستاذ المرحوم محمد عثمان الذي اُشتهر بلقب "دُتْشْ"، من قرية "سالي" جنوب دنقلا، أستاذ اللغة العربية بمدارس دنقلا. كان المرحوم/ مصطفى يُكثر ذكره ثناءً على علمه. ومما ذكره عنه تعلُّمَه اسم المكان والزمان من الفعل معتلّ الوسط، نحو: طار، مطار وما فيه من إعلالٍ وإبدال.
ومن أولئك الأعلام عبد الحميد صالح المشهور بـ"البكّاي"، من قرية "كابتود" شمال دنقلا، كان من جُلساء حلقة الشيخ علي الإمام، اشتهر بالبكاء في.حلقة الشيخ حتى ظهر ذلك في أهداب عينيه، وكان المرحوم يُكثر ذكره.
ومن أولئك الأعلام حسن أحمد حامد المشهور بـ"حسن إِحْميْدي" أحد تلاميذ الشيخ علي الإمام وإمام مسجد دنقلا العتيق بعده، كان ضريراً وأبصر بعد كرامةٍ مشهورةٍ عنه. وقد كانت لي به معرفةُ وتلمذةً إذ كان عميداً لكلية الشريعة والقانون التي كنت أدرس بها في جامعة القرآن الكريم، ثم أدمتُ زيارته والجلوس إليه في داره بحي "الصافية" في الخرطوم بحري.
وقد كان رحمه الله تعالى موسوعةً علميةً، يختصر جملةً من المعارف للمتلقي في قولٍ مختصر. ومما أذكره له أني التقيته في أول لقاء لي بأجهزة الجامعة ـ جامعة القرآن الكريم ـ بعد أن توليتُ أول رئاسة لجمعية القانون بكلية الشريعة معرِّفاً بنفسي وبأغراض الجمعية ومعي بعض الأخوة، فلما أخبرته بغرضي تلا علينا أبياتاً من قصيدة لا أذكرها، ثم قال هذا هو باب الجنايات في الفقه الإسلامي اختُصر في أبيات من الشعر. ثم أوصانا بالحرص على العلم. وانصرفنا نحمل منه خير الزاد، نصيحةً ودهشةً ومودة. ثمّ جالسته يحدثني كثيراً عن قرى الولاية الشمالية وأهلها وأسباب التسميات التي لأحيائها.
وقد كان رحمه الله تعالى صاحب كراماتٍ وصلاح ورؤيا صادقة، ومما أذكره له من مواقف أنه جاء زائراً لمدينة دنقلا بعد انقطاعٍ طويل بعد أن كان إمام مسجدها العتيق، وكانت له صداقات فيها وذكرى عطرة مع أهلها، ونزل يوم ذاك في منزل شيخه الشيخ/ علي الإمام بصحبة الراحل البروفسور/ أحمد علي الإمام، فتقاطر الناس عليه ليحيُّوه، فجلستُ أرقبه من قُرب، فما جاء أحدٌ وألقى السلام إلا وردّ عليه باسمه كأنه يراه ـ وهو يومذاك ضرير ـ حتى جاء عبد الناصر صابر عبد الوهاب ـ أحد تجار دنقلا الفضلاء ـ وقد كان أبوه السيد/ صابر عبد الوهاب قد توفي في فترة انقطاع الشيخ عن دنقلا وكان أحد كبار التجار ولزيماً للشيخ/ حسن إحميدي، فألقى عبد الناصر السلام وجلس فردّ عليه سلامه ولم يكر اسمه وصمت برهةً. فقلت في نفسي: إنه لم يعرف عبد الناصر. غير أنه التفت إليه بعد برهةٍ وقال متأثراً: (رأيت أباك في المنام فقال لي: إنك لم تترحّم عليّ. فعلمتُ أن قضاء الله قد وقع). فعلمتُ أنه يعرفه لكنه صمت لوجدٍ أصابه بذكر أبيه صابر عبد الوهاب.
وقد ذكرت السيد/ صابر عبد الوهاب في مرثيتي التي رثيت فيها الشيخ/ مصطفى يس، فقد كان صابر عبد الوهاب السيسي أحد أشهر الذين اشتهروا في دنقلا بالجود والتواضع.
وممن سمعت ذكره على لسان شيخي، الأستاذ الراحل المربي/ كامل مصطفى عبد المجيد رائدٌ من روّاد التعليم في الولاية الشمالية، وزعيم قيادي تقلّد رحمه الله مناصب عليا في حكومة السودان آخرها نائب الوالي في ولاية كسلا بشرق السودان. عمل مديراً بمدارس الولاية الشمالية وزامله فيها المرحوم/ مصطفى محمد يس، وكان يكثر من الثناء عليه.
وقد تشرّفت بالتتلمذ على الأستاذ/ كامل مصطفى إذ كان مدرِّس التاريخ بالمدرسة المتوسطة، وكان يأتي لدروسه في وقت العصر بعد أن رُقّي إلى درجة المُوجِّه، حرصاً منه على العطاء. ومما حفظته عنه من عبارات قوله: ما من حدثٍ حدث في مصر إلا وكان له أثرٌ في السودان. وقد أفردتُّ الأستاذ/ كامل مصطفى ببعض مقالات سبقت بالنشر في مدونتي هذه.
ومن أولئك الأعلام الأستاذ الراحل/ بهاء الدين الشيخ، كان رائداً من روّاد التعليم في الولاية الشمالية، عمل مديراً بمدارس الولاية الشمالية، واشتهر بالحزم والصرامة،كان ضخماً فخماً راقياً في تدريسه، وقد درسنا عليه مادة الرياضيات في الفصل الأول من المرحلة الثانوية، وكان يومذاك موجّهاً للمادة في مكتب التعليم للمدارس المتوسطة، وسبب تدريسه في المرحلة الثانوية يومذاك إضرابٌ قام به الأساتذة المصريون بسبب استحقاقات لهم لم تصلهم، فقلنا له ـ ونحن طلاب له ـ إنّ صنيعكم هذا نعني التدريس بدلاً عن أولئك المصريين ليس أخلاقياً، فقال: (لو نظرنا إلى الأمر مجرّداً أي أن أساتذة يُغطون فراغاً أحدثه زملاؤهم للضغط لكسب حقوقهم فقد يجوز الحكم بعدم أخلاقية ذلك الفعل، لكنّ الأمر هنا ليس مجرّداً لأنه ليس أخلاقياً أن تمتنع عن تدريس طلاب يرتبطون ببرنامج زمني لدراستهم فيضيعون، ومن أجل ذلك لم نرَ لهم عذراً). أنا لم أقف عند الأمر ذاته لكني أُخذتُ بهذا الردّ العميق والاستجابة لتساؤلنا من غير استخفاف أو استنكار وهو لبّ التعليم.