إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 26 مارس 2011

"مرثية الأخلاق" في رثاء الشيخ الأستاذ/ مصطفى محمود مقلد

قمرٌ ترجَّل عن سماءِ بلادي             فَنَعَتْـهُ أحرُفُـها لـوَتْـر الـضَّادِ
لمَّا رأيت شَّرى البلِيَّة ناعياً              وخَـنِـيْنَ وجْــدٍ غـائـرٍ وقَّادِ
أيقنتُ أنَّ الخطبَ نال إمامَنا             ما نالَ خطبٌ مثلَـه فـي الـوادي
يا عاثِراً للموت فَرَّ جـناحَه             لـو كـان من مَـدِّ أو استبعــادِ
حتى تَيسَّر للنفوس شرابُهـا             لِفَـحِيْحِ خَـطْبِ الدهـر والإجهـاد
يا حُجْبَ أستارِ المنونِ حجبتِهِ           غيَّـبـتِ طـودَ العلمِ والإرشــادِ
يا حُجْبَ أستارِ المنونِ حجبتِهِ           غيَّـبـتِ عُـدَّتَـنا ليـومِ جهــادِ
يا حُجْبَ أستارِ المنونِ حجبتِهِ           نـال البـِلى عـرَّابـة "الـعـقَّادِ"
يا حُجْبَ أستارِ المنونِ حجبتِهِ           فـحجـبتِ بُـلـبُـلَ شِعرِنا الغرَّادِ
يا حُجْبَ أستارِ المنونِ حجبتِهِ           لم تـرعِ وجـداً غـار فـي الأكبادِ
يا "مقلد" الصدقِ الذي لا تنجلي          ذكـراه مـن وَهْدٍ ومـن أَنـجـادِ
يا "مقلد" الأدب الرصين إذا حدا         بالمَـكْرُماتِ فنعـم أنـت الحـادي
يا "مقلد" الـطِـيْـبِ الـذي من حلمه   عـصـم النـفـوس الشُمَّ من أحقاد
يا "مقلد" التاريخ يصنع مجده            فـي زهْـوِهِ فـخراً مـن الأمجـاد
يا "مقلد" الإسلام في آياتِـه             إِذْ مـا تُـضيء سـريـرةَ العُبَّـادِ
يا "مقلد" "التوحيد" في أركانه            إِذْ مـا يُـطـهِّرُ نِـحْلَةَ الإلـحـادِ
يا "مقلد" "التشريع" في أحكامه           فَيُبِيـْنُ مُشْتَبِـهـاً عـلـى الـرُوَّادِ
يا "مقلد" "الصَرْفِ" العصيِّ على النُّهى   يا "مقلـد" الفِكْـر الرصين الهادي
يا "مقلد" الشعرِ العذيب تَرَنُّماً            وخـبـيـرَ أَبْـحُرِهِ مـن الـنُّقَّـادِ
يا "مقلد" "النحوِ" الذي لا ينثني           عـن فَـلِّ لحـنٍ غـائـرٍ أو بادي
يا "مقلد" السودان في أخلاقه            عَـفْـوُ الحـديـثِ ومِنْحـةُ الجُوَّادِ
يا "مقلد" السودان في أجياله             كـرمُ الـولـيدِ وصالـحُ الأجـدادِ
يا "مقلد" السودان في ألحانه             رجـعُ الحـنين بكـلِ فـاهٍ شـادي
قال الخليُّ معاتباً في نَعْيِهِ               أخلفتَ وعـدَكَ فـي نَـعِيْ الأفـرادِ
ما كان "مقلد" واحداً في قومه           لـكنَّـه بـالقـوم فــي التِّـعْـدَادِ
يا لـهف قبرٍ ضمَّ نور فؤاده           ضـاقـت عـليه صـحائفي ومدادي
يـا رُزْء أمثالي بفقد مِثَـالِهِ            وأنـا الـخـبـير بِنـِحْـلَـةِ النُّجَّادِ
رُحماك ربي الْهمَّ في أوصالنا           مـن فُـرْقَةٍ تـجلو بـصبـر فـؤادِ
واغدِق برحمتك العريضةِ روحه         في الـغابـرين بـروضة الأَلحـادِ
واْرحم إالهي شيخنا في حشْرِهِ           أنت الـرجاءُ لغُبْنِ يــومِ تَنَـــادِ

            محمود محمد أحمد علي:    "دنقلا – كلية التربية/معلمين" 14مارس2011م

الجمعة، 18 مارس 2011

في ذمة الله أستاذ/ مصطفى محمود مقلد

رحل قل أيام معدودة أستاذ الأجيال مصطفى محمود مقلد مخلفاً تاريخاً وحياة حافلة بالعطاء مضمخة بالعشرة النبيلة.
فقد السودان به وفقدت مدينة دنقلا وفقدت "الضاد" إنساناً بقامة الجبال وذهب الأثقال
رحل وهو في السبعين من عقود حيلته والثلاثين من فتوة قلبه والأربعين من الأمل في الله عز وجل ( حتى إذا بلغ أشدَّه...)
ما عرف الرجلَ أحدٌ إلا وعشق معه العلم والمعرفة والمروءة وحسن الرأي وعرف فوق كل هذا ـ وهو الأهم ـ همة الرجال...
"والصمت أبلغُ أحياناً من الكلمِ"
إنا لله وإنا إليه راجعون


الاثنين، 7 مارس 2011

في تشييع جنوب السودان ... مشاعر ووجدان

من صدف الزمان، أو دورته كما عبَّر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:( إن الزمان قد استدار  كهيئته)، أن يقع انفصال السودان بذات الطريقة التي جرى بها استقلال السودان (الوطن الواحد)، وذلك من حيث المواقف السياسية للفرقاء في المضمار السياسي.
       ولتوضيح هذه الخاطرة فلنلتفت للوراء إلى حقبة استقلال السودان لنرى السودانيين فريقين أو حزبين ـ كنا كأمريكا...فتطورنا ـ أما الأول فكان يرفع شعار (السودان للسودانيين)، وهو الحزب الموالي لحكم الإنجليز يوم ذاك، فقد ارتضى "الجمعية التشريعية" التي فرضها الإنجليز يوم ذاك كـ"خارطة طريق" لتأهيل السودانيين سياسياً لحكمٍ ما. وقد كان حزب الأمة ـ صاحب الشعار ـ يرمز ذلك لرفض العودة للتاج المصري، وهو جزء من معركة حزب "سعد زغلول" في مصر ضد الإنجليز، وقد كانت حجة الزعيم/ عبد الرحمن المهدي يوم ذاك من باب المثل السوداني الجاري( المال تلتوـ أي ثُلُثُه ـ ولا كَتِلْتُو؛ أي ضياعه)، ونُقل عنه القول:( إذا عندك عند زول دين ورفض إلا يديك نصو أُخدو وطالب بالنص التاني، وما ترفض النص الأول) .
       أما فريق المعارضة، وهي حزب الرفض لمقترحات الإنجليز فكان شعار منظِّره الأزهري:( سنرفضها ولو جاءت مبرأةً من كل عيب)، وهو في ذلك يرمز للوحدة الاجتماعية قبل السياسية والاقتصادية بين السودان ومصر (شطري وادي النيل).
لكن الأمر يبدو وكأنه حرب شعارات بين الفريقين. فلا الأول صدقَ في موقفه في "سودنة السودان"، ولا الثاني كان للإنجليز عدواً مبيناً. إذ تبدلت المواقف في أقل من عقدٍ ـ منذ عام إنشاء الجمعية التشريعية 1948م ـ لنرى في العام 1956م جمعيةً تشريعيةً تضم الفريقين، أما الذي كان ظهيراً للإنجليز بالأمس فهو اليوم يتحمس لاستقلال السودان بانفعال يتجاوز "خارطة الطريق" لإعلانه من داخل البرلمان، وأما الثاني عدو الإنجليز ـ ظاهراً ـ فهو غير مرتاح لذلك ولو لكونه كسباً سياسياً للأول لن يدعمه هو على أي حال......واستقل السودان من داخل البرلمان كما شاءت الأقدار.
لم يُعلن الجنوبيون "الاستقلال" من "داخل البرلمان" ولكنهم مضوْا في خارطة الطريق التي أعدت لهم من حكومة الشمال حسب "وصفة نيفاشا"، فيالِدورة الزمان...
"ثم ضاع الأمس منا وانطوت في القلب حسرة"... لكل سوداني عمل في القوات المسلحة، أو قوات الشرطة، أو معلماً قبل حقبة الثمانينات ـ فترة توقف "النقليات" القطرية ـ أو تاجراً، أو موظفاً قضت عليه قوانيين الخدمة بالعمل في الجنوب...لكل أولئك وجدانيات غُرست وترعرعت في أرض الجنوب "كان جنوبياً هواها"، وصارت دفئاً في حناياهم ينزوون إليها في لحظات وأخرى، وعلاقات اجتماعية لا تنفصم بالقرارات السياسية من هذه الشاكلة الشائهة في كل فكر...
لم يُحسب لهذا حساب في صراع الفيلة من حكام السودان، ولم يرد في حساب "مؤخر الصداق" إلا البترول وشرايينه، أو "الجرورة" السابقة في أيام "النغنغة" و"البهرجة" و"المهرجانات"...
( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)

الثلاثاء، 1 مارس 2011


من شعري...
عينـــــــــــــان
عينان كيف تحدّرت منها الرؤى
واستعصمت في ناظريها خيبةُ الشوق القديم
***
عينان في نسرٍ مهيضٍ مجهدٍ
عبر المسافات الطويلة بين دفات السنين...
فاذا السنين تكمّشت لتكون أصغر ما يكون
***
ضحكت عليه مسالك الدنيا فأمسى حائط
العينين – من حزن كظيم – قاس عتيم
***
عينان غاصت في بواطن أمرها
فإذا الفؤاد تناثرت فيه المخاوف والظنون
***
عينان في صدر مريرٍ من تواتر ما تنزّل،
ما تصاعد، ما تلاطم...
 ما تكوَّر مثل أكداس الرفادة للمسافر في المخاطر نحو
أنوار المؤمَّل في نهايات المرائى،
للفؤاد المنكسر...
 الراجعِ المجهود من مدٍ حسير... وأنا الكسير
***
عينان ماذا عابها الا التأزّر بالصموت...
فعند موجات المآسى خيرُ ريش العين للحُرِ السكوت
                عينان ضجّت في القنوتِ
فأبحرت نحو المقيت                           
                                                                                                يونيو 1996م – أم درمان

بين ليبيا والعراق والسودان واليمن....


جميلة تلك الأيام التي تغنينا فيها في السودان في مطلع التسعينات من القرن الماضي بالوحدة الأممية لأمتنا، وقد كنا نتراءى معالمها في سياسات الصمود بوجه المطامع الغربية في منطقتنا. العذر كله للذين لم يوافقونا مواقفنا تلك ولم يروا آراءنا، لكني وبرغم ما أراه اليوم من تداعي تلك الحكومات ليبيا والعراق وتهاوي اليمن لم أزل على يقين أن الأمة لا يصلحها إلا الوحدة على أصالتها لا على مصالح غيرها وتغيير هويتها.
نحن في الشرق أمة ذات حضارة أصيلة، كنا كذلك قبل أن تأتينا المسيحية، ثم أنشأنا دولاً في ظل المسيحية احترمها الغرب إبان حقبة الاستعمار إيهاماً منه أنها امتداد له ـ لكونه مسيحياً بالادعاء ـ لكنها كانت جزءاً من حضارتنا أهل الشرق لا تمت للغرب بصلة. ثم جاءنا الإسلام فتميزنا به عن أهل الغرب هويةً ومنهجاً في الحياة، الأمر الذي لم يرتضوه منا فحاربونا وما زالوا.
اليقين على ثوابت التفكير والاجتهاد أمر أساس في الحياة، وهو مركز الاستهداف من أعدائنا، فهم أكثر ما يستهدفون زعزعة ثقتنا في مستقبلنا، وقد غرهم في ذلك المظاهر الجميلة لواقعهم، لكن المستبصر للأمور يدرك أن هذه الظواهر تخفي مشكلات تنفجر بين عصر وآخر تذهب بكل ما بُني بالمال الحرام مثلما تفجرت الأزمة المالية العالمية والبطالة في الدول الأوربية والبقية تأتي.
برغم ذلك قناعتي الأكيدة أن المنى وحدها لا تغني عن العمل في مجالات محددة، ليست تلك الأسطوانات الفارغة أو التي لا تعني ملفوظها من نحة حقوق الإنسان أو حقوق الاثنيات أو أو حرية التعبير أو حق المرأة وغيرها من الشعرات الحرابية. لكن الذي أرى ضرورته وسبب انتفاضة الشعوب ضد أنظمتها هو عدم أصالة تلك الأنظمة فهي وصفات مستوردة لم تُكيَّف لتلائم شعوبنا بل انبهر بها ـ بغير ابتلاء هواتها ـ فجُلبت لنا وبنيت عليها القوانين وطرق العمل في الخدمة العامة والسوق عموماً فذلت أقواماً لم يرو فيها لهم نجاة ابد الدهر فانتفضوا، وغالب هؤلاء هم الشباب الذين كان عليهم ان ينتظروا طويلاً ثم لا يظفروا إلا بما يجود عليهم بها القلة من الكهول الذين عرفوا فنون اللعبة البالية بالمصالح العامة والخاصة.