إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 7 مارس 2011

في تشييع جنوب السودان ... مشاعر ووجدان

من صدف الزمان، أو دورته كما عبَّر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:( إن الزمان قد استدار  كهيئته)، أن يقع انفصال السودان بذات الطريقة التي جرى بها استقلال السودان (الوطن الواحد)، وذلك من حيث المواقف السياسية للفرقاء في المضمار السياسي.
       ولتوضيح هذه الخاطرة فلنلتفت للوراء إلى حقبة استقلال السودان لنرى السودانيين فريقين أو حزبين ـ كنا كأمريكا...فتطورنا ـ أما الأول فكان يرفع شعار (السودان للسودانيين)، وهو الحزب الموالي لحكم الإنجليز يوم ذاك، فقد ارتضى "الجمعية التشريعية" التي فرضها الإنجليز يوم ذاك كـ"خارطة طريق" لتأهيل السودانيين سياسياً لحكمٍ ما. وقد كان حزب الأمة ـ صاحب الشعار ـ يرمز ذلك لرفض العودة للتاج المصري، وهو جزء من معركة حزب "سعد زغلول" في مصر ضد الإنجليز، وقد كانت حجة الزعيم/ عبد الرحمن المهدي يوم ذاك من باب المثل السوداني الجاري( المال تلتوـ أي ثُلُثُه ـ ولا كَتِلْتُو؛ أي ضياعه)، ونُقل عنه القول:( إذا عندك عند زول دين ورفض إلا يديك نصو أُخدو وطالب بالنص التاني، وما ترفض النص الأول) .
       أما فريق المعارضة، وهي حزب الرفض لمقترحات الإنجليز فكان شعار منظِّره الأزهري:( سنرفضها ولو جاءت مبرأةً من كل عيب)، وهو في ذلك يرمز للوحدة الاجتماعية قبل السياسية والاقتصادية بين السودان ومصر (شطري وادي النيل).
لكن الأمر يبدو وكأنه حرب شعارات بين الفريقين. فلا الأول صدقَ في موقفه في "سودنة السودان"، ولا الثاني كان للإنجليز عدواً مبيناً. إذ تبدلت المواقف في أقل من عقدٍ ـ منذ عام إنشاء الجمعية التشريعية 1948م ـ لنرى في العام 1956م جمعيةً تشريعيةً تضم الفريقين، أما الذي كان ظهيراً للإنجليز بالأمس فهو اليوم يتحمس لاستقلال السودان بانفعال يتجاوز "خارطة الطريق" لإعلانه من داخل البرلمان، وأما الثاني عدو الإنجليز ـ ظاهراً ـ فهو غير مرتاح لذلك ولو لكونه كسباً سياسياً للأول لن يدعمه هو على أي حال......واستقل السودان من داخل البرلمان كما شاءت الأقدار.
لم يُعلن الجنوبيون "الاستقلال" من "داخل البرلمان" ولكنهم مضوْا في خارطة الطريق التي أعدت لهم من حكومة الشمال حسب "وصفة نيفاشا"، فيالِدورة الزمان...
"ثم ضاع الأمس منا وانطوت في القلب حسرة"... لكل سوداني عمل في القوات المسلحة، أو قوات الشرطة، أو معلماً قبل حقبة الثمانينات ـ فترة توقف "النقليات" القطرية ـ أو تاجراً، أو موظفاً قضت عليه قوانيين الخدمة بالعمل في الجنوب...لكل أولئك وجدانيات غُرست وترعرعت في أرض الجنوب "كان جنوبياً هواها"، وصارت دفئاً في حناياهم ينزوون إليها في لحظات وأخرى، وعلاقات اجتماعية لا تنفصم بالقرارات السياسية من هذه الشاكلة الشائهة في كل فكر...
لم يُحسب لهذا حساب في صراع الفيلة من حكام السودان، ولم يرد في حساب "مؤخر الصداق" إلا البترول وشرايينه، أو "الجرورة" السابقة في أيام "النغنغة" و"البهرجة" و"المهرجانات"...
( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق