لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنا لله وإنا إليه
راجعون
ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا .. وإني كنتُ أسمع من
أستاذي الأديب الراحل مصطفى محمد يس رحمه الله تعالى كثيراً ما يُنشد بانفعالٍ
أبيات أبي تَمَّام في رثاء الخليفة التي مطلعها:
كذا فَلْيَجِلَّ الخطبُ ولْيَفْدَحِ الأمرُ
فليسَ لعينٍ لم يَفِضْ ماؤُها عُذْرُ
وأسمع منه:
فَتًى كُلَّما فاضَتْ عُيونُ قَبِيلة ٍدماً
ضحكتْ عنه الأحاديثُ والذكرُ
فتًى ماتَ بين الضربِ والطعنِ ميتة ً
تقومُ مقامَ النصرِ إذْ فاتهَ النصرُ
وما ماتَ حتى ماتَ مَضرِبُ سيفهِ
مِنَ الضَّرْبِ واعْتَلَّتْ عليهِ القَنا
السُّمْرُ
وقد كانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلاً فردَّهُ إليه
الحِفاظُ المرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ
ونفسٌ تعافُ العارَ حتى كأنَّه هو
الكفرُ يومَ الروعِ أوْ دونَه الكفرُ
فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجلَه وقال
لها منْ تحت أخمُصِكِ الحشرُ
غَدَا غَدْوَة ً والحَمْدُ نَسْجُ رِدائِهِ فلم
ينصرفْ إلا وأكفانُه الأجرُ
تردى ثيابَ الموتِ حمراً فما دجا لها
الليلُ إلاَّ وهْيَ مِنْ سُنْدُسٍ خَضْرُ
كأنَّ بَنِي نَبْهَانَ يومَ وَفاتِه نُجومُ
سَماءٍ خَرَّ مِنْ بَيْنها البَدْرُ
يُعَزَّوْنَ عن ثاوٍ تُعزى بهِ العُلَى ويبكي
عليهِ الجودُ والبأسُ والشعرُ
وكم كنتُ أعجب لإلقائه وتُسعدني الأبيات إلا أنني لم
أجد لها مُتَمَثَّلاً حتى اختطفت المَنونُ الرجل الصالح المهندس/ ميرغني صالح سيد
أحمد والي ولاية "القضارف"، صبيحة الأحد 9 ديسمبر 2018م، إثر احتراق
مروحية كانت تُقلُّهُ وبعضَ أفراد حكومته في "ولاية القضارف".
وكأنما
عناه أبو تمام بهذه الأبيات، ولكم أصاب الشعراء قولاً وأخطأوا المقام. إنه ليصدق
في حقِّ هذا الرجل أن يُقال:
فتًى
ماتَ بين الضربِ والطعنِ ميتة ً
تقومُ
مقامَ النصرِ إذْ فاتهَ النصرُ
لقد مات ميرغني صالح في موقفٍ تفخر به "الولاية
الشمالية" مسقط رأسه التي ما فتئت تقدم الرجال ليحفروا الفخر في تاريخ
السودان عطاءً في كل الساحات وجهاداً في كل الميادين إنهم حقاً "رجالٌ من
العيار الثقيل"، فعلى ذات الشاكلة استشهد ابن الولاية الشهيد المشير/ الزبير
محمد صالح "أسد الغابة" الذي ذهب إلى أغوار الغابات الإستوائية عارياً
من أي درعليلقى قادة التمرد على حكومة السودان حينها ليفاوضهم على السلام، فكان
"سلام الخرطوم". لقد مات ميرغني صالح ميتةٌ تطمئن شعب هذه الولاية إن
أرحام هذه البلاد ما تزال حبلى بالرجال من هذا الوزن.
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiXNqzlOkUBqPYhlnkjsSz7w0SURzM9j4EnSgI5f3DgmQ7TDof316-6JAwrlFQiNh4EjfhnRySjGQM4jMf5Ilds5V9elA9Te0IVKyI-QptXABBgA__p0qvAf0c2RK_hq1vddzTpGNcbIGE/s200/7.jpg)
وإنه ليستحق أن يقال في حقه:
وقد
كانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلاً فردَّهُ إليه الحِفاظُ المرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ
لقد روى بعض الناجين من الحادث أن بعضهم حاول إخراجه
من الطائرة أثناء اشتعالها فما استجاب لهم، حتى قضى واغتنمه الموت فخراً، ومن عرِف
"الشهيد/ ميرغني" يعرف فيه هذا الوصف "الحِفاظُ المرُّ والخُلُقُ
الوَعْرُ".. لقد أَتعبتَ المُروءةَ بعدك يا رجُل.
أَوَبعدَ الثباتِ في جَوفِ النيران ألا يصدُقُ فيه
القول:
تردَّى
ثيابَ الموتِ حمراً فَمَا دَجَا
لها الليلُ إلاَّ وهْيَ مِنْ سُنْدُسٍ
خَضْرُ؟
إنا لنحسبه عند الله تعالى شهيداً بعد أن أخبر النبي
r أن "الحريق" في عدة الشهداء، ونحبسه أمضى ليلته تلك من
بعد ارتداء ثياب النيران كما قال أبو تمام:( فما دجا لها الليلُ إلاَّ وهْيَ مِنْ
سُنْدُسٍ خَضْرِ).
كأنَّا
بَنِي "السودانِ" يومَ وَفاتِه
نُجومُ سَماءٍ خَرَّ مِنْ بَيْنها البَدْرُ
ألا رحم الله أستاذنا مصطفى محمد
يس لكأني به كان يسقينا معاني الفحولة والمروءة والجسارة شعراً، متأثراً في ذلك
بفلسفة أبي تمام في قوله:
لولا
خلالٌ سَنَّها الشعرُ ما درى
بُغاةُ النَّدى مِنْ أينَ تُؤتَى المَكَارِمُ
![]() |
ألأستاذ الراحل مصطفى محمد يس |
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjTMueIQ-lt7fMez6TNuSeUnX-JjUAeMACAdCkMMV59uaLlUszfk-H3ISfaHqzZZ6BAUvVaq2o2hONlgE9rNfSNP5k0l1rAHMFyFDJPczWj9_YKp2NbrR6MXM1m0KNtj3jW6gShc4ST4C0/s320/6.jpg)
دكتور.. هي الحياة وسنة الله في الخلق ماضية حتى يرث الله الارض ومن عليها... برغم الحزن عليه الا ان العزاء في ان يتقبله الله شهيدا عنده.. وهكذا دائما حياة الابطال تنتهي لكن السيرة العطرة تظل خالدة الى ما شاء الله.
ردحذفسعيد البشرى سعيد