إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 10 أغسطس 2020


الأستاذ/ كمال جابر
مربي الأجيال.. الأستاذ/ كمال جابر ... الإنسان العامر (1)
"أحمد جابر".. بيت العلم والعز والشرف

مثّل الحاج " أحمد جابر" إشاراتٍ للمجتمع والشخصية السودانية ذخُرت بها دهراً طويلاً في مجتمع الجزء الشمالي من السودان، ذلكم الإنسان السهل المُنتج في الحياة إفْعاماً بالحضور الاجتماعي والمشاركات الحيَّة في فعالياتها ... وذريةً صالحةً تملأ الفضاء الإنساني محاكاةً للقول السائر لابن العميد "الجاحظ الثاني" في حق الشاعر المتنبئ بأنه (ملأ الدنيا وشغل الناس) ... وسيرة طيبةً تمحو شقاء السنين ورهق الحياة، حتى يحسبها المطَّلع خلواً من كل تعاسة وراحةً من كل عناء.. هكذا بدت صورة الحاج "أحمد جابر" في مجتمع مدينة "دنقلا" في عقودها في النصف الأول في القرن العشرين، قادماً إلى أوارها ونورها من رحم قبيلة "الكبابيش" سليلة "جُهينة" الشهيرة في قبائل العرب بـ "الرواية" و"الحكاية"، حتى قيل فيهم:( وعند جهينةَ الخبرُ اليقينُ)، وفوق ذلك فقد عُرف عن "الكبابيش" في مجتمع الولاية الشمالية "النقد الاجتماعي المُنتج" الذي خلَّص مجتمعها الحضري من التكلف المُقعد عن تثوير الحياة واستثمارها بدلاً من العيش بالبهارج الفاشلة والإسراف في مظاهرها. فغيَّر ذلك وجه الحياة في ذلك المجتمع بفضلهم.

سكن الحاج "أحمد جابر" حي دنقلا جنوب مجاوراً لأهم أسرها العريقة في ذلك الحي من "النُزَهِيَّة" و"الأفندية" و"الشاويشية" و"آل خوجلي" و"الحميدية"، وما تفرع منهم من شخصيات عبرت باسم "دنقلا" إلى رحاب السودان الكبير بل والعالم العربي كأمثال الشاعر/ عبد المجيد وصفي الذي جاوب أمير الشعراء أحمد شوقي بأبيات يرددها بعض أهل "دنقلا".
عبد المجيد وصفي

   يقصُّ الرواةُ عن الرجل "أحمد جابر" أنه كان عاملاً في شركة "شَلْ" للمحروقات لدى فرعها في المدينة، وكانت مجالسه في سوق "دنقلا" تتوزع بين "دكاكين" التجار ناشراً للترحاب، ومصدراً للبشاشة، ومؤنساً يحتفي به كبارهم وصغارهم... وكان لزيماً لمجلس "الإمام" الشيخ العالم/ علي الإمام، إمام "المسجد الكبير" وعالم "دنقلا" ومفتيها، وهو والد البروفسير الراحل/ أحمد علي الإمام. ذكر الأستاذ/ فؤاد محمد عثمان شيخ أنه عاصر "أحمد جابر" ووصفه بأنه (كان أُميَّاً لا يعرف القراءة ولا الكتابة، سأل الله يوماً أن يحفظ سورة "يس" من القرآن الكريم، فأصبح من نومه يقرؤها عن ظهر قلب، فصار لا يدع قراءتها ماشياً كان أو جالساً. كان وجهه يشع نوراً، تشعر بالصلاح فيه، وكان أشبه أولاده به هو ابنه "علي أحمد جابر").

       
الأستاذ/ مصطفى محمد يس
كان "أحمد جابر" رحمه الله تعالى من رجالات جامع دنقلا العتيق، الذي أُطلق عليه وصف "الجامع الكبير"، وكان حينذاك جامعاً بحق، يجمع الكبار الذين ثقّلوا وزن البلاد يومها ورعاً ومهابةً، قال الشيخ الأستاذ/ مصطفى محمد يس: (تحسبهم في مجلسهم من الصف الأول في "الجامع
" رجالاً من شمع، لا يرمش لهم جفن ولا يتحرك منهم عضو ولا يلتفت منهم أحدٌ كأنّ على رؤوسهم الطير). ويجمع "الجامع الكبير"

فحول العلماء من أمثال الشيخ/ صالح الجعفري العالم الأزهري ومشاهير القضاة الشرعيين في السودان كالقاضي "سعيد العباسي" والد الشاعر السوداني الشهير. ويضم كذلك وريث العلماء الشيخ/ حسن أحمد حامد الشهير بـ "حسن إِحْميدي". ويجمع "الجامع الكبير" أعيان المجتمع الذين يُبرمون الأمور العامة ويفصلون في نواشب الشغار بين الناس فيلتئم المجتمع وتصفو الحياة.

    ولربما عاصر الحاج/ أحمد جابر أول إمامٍ لمسجد "دنقلا" العتيق الشيخ/ سليمان مدني الخزرجي المقبور فيما بعد بمقابر "قيامة" بحي "إرتدي" بـ "دنقلا"، وهو أحد أجداد أسرة "السناهير" بـ "دنقلا"..

      أنجب الحاج/ أحمد جابر أربعة من البنين كانوا مِلء السمع في مجتمع الولاية الشمالية والسودان.. وعمل على تربيتهم أكمل ما تكون التربية، وتعليمهم على نسق التعليم المدرسي برغم أميَّته، فكانوا نجوم مجتمعهم ورموزه.

أكبر أبناء الحاج/ أحمد جابر هو مربي الأجيال "محمد أحمد جابر" الذي اشتُهر بـ "شيخ جابر" حيث كان ينادى المعلمون حينها بلقب "شيخ" تقديراً وتبجيلاً. عُرف محمد أحمد جابر بالشخصية الأديبة باللغتين العربية والإنجليزية، فقد كان نابغةً ذكياً حذقاً، وكان شاعراً فحلاً. تخرج في "دار العرفاء" التي قامت مقام كليات التربية حينها في إعداد المعلمين، وهي النواة ا
الأستاذ/ محمد أحمد جابر (شيخ جابر)
لأولى لـ " معهد إعداد المعلمين" بمدينة "الدويم" بحي "بخت الرضا"، ودرس التربية بجامعة "بيروت" بعاصمة دولة لبنان، ثم عمل معلماً بـ "المدارس الأولية" في السودان بعدد من بقاع السودان شمالاً وجنوباً فقد عمل معلماً بمدارس "المديرية الشمالية" للسودان، وأشهرها مدارس "القولد" و"مروي" و"بدين" حينها. كما عمل معلماً بمدارس "توريت" وشهد بها الأحداث الشهيرة تاريخياً بـ " مذبحة توريت" وبأحداث 18 أغسطس 1955م. وقد خلدها بقصيدة الاستاذ الشاعر الهادي آدم وقد كان شاهداً على ذبح الكثير من زملائه المعلمين، منها قوله:

توريت يا وكر الدسائس والخديعة والدم      قد طال صمتك في الدجى هل آن أن تتكلمي
الغاب مطرقة الغصون على دجاك المعتم    والصـمت والليل الرهيـب وخادعات الأنـجم
لا شئ غير الريح تنفخ في رماد المأتم       ومغـارةً فـيـهـا المـنايــا الـســود فـاغـرة الفم
ونعيق ضفدعة تنوح بليلك المتجهم           يــا قِطــةً أكــلـتْ بـنـيـهــا وهي ظَـمْأى للدَّمِ
أمعنت قتلا في النساء وغيلة للمحرم         لم ترحـميْ حتى صـــغارهُمُو ولـم تترحمــي
والشيخ والحبلى فأيُ جريمة لم تجرمي       حتـى غدوتِ مـــع الدُّجى وكرَ الطُّيورِ الحُوَّمِ
ويروي ـ رحمه الله تعالى ـ قصة نجاته من تلك المذبحة فينسب الفضل في ذلك لأحد أبناء الجنوب الذين عملوا معه وحفظ له فضله في حسن المعاملة فطلب منه أن يتمدد في الأرض مثل القتيل، وتولى هو إيهام المهاجمين بأن "شيخ جابر" قتِل فانصرفوا ونجى بذلك من الموت، حتى أغاثته القوات الحكومية فقفل راجعاً إلى الخرطوم. وبعد عودته من "توريت" عمل ـ رحمه الله تعالى ـ بمدارس "كبوشية". كما عمل بمدارس مدينة "مدني" وكان مفتشاً للتعليم بها.

ثم ترقى إلى "ضابط تعليم" بمجلس دنقلا، حيث كانت "المديرية الشمالية" يومذاك و"الولاية الشمالية" حالياً تضم ثلاثة مجالس، أحدها هو "مجلس دنقلا".

وقد زامل رحمه الله تعالى في هذه المهنة الرسالية عدداً من مشاهير رجالات التعليم بالسودان عامة ومدينة "دنقلا" خاصةً، منهم الشيخ/ شاكر علي إسماعيل، إمام وخطيب مسجد "عبد المتعال" بـ "دنقلا". والأستاذ/ فؤاد محمد عثمان شيخ، الذي روى مشاهداته لـ "أحمد جابر" ومواقف شخصية لابنه محمد أحمد "شيخ جابر".  وصف أستاذ/ فؤاد محمد عثمان شيخ أستاذ محمد أحمد جابر بقوله:(الأستاذ ـ رحمه الله ـ محمد أحمد جابر عرفتُه وهو "ضابط التعليم" بـ "مجلس دنقلا" الذي كان يمتد بين "الغدَّار" جنوب "دنقلا" و"أبو فاطنة" شمالاً. وكان له يوم محدد وهو يوم الخميس للقاء كل أساتذة "دنقلا" من المرحلتين "الأولية" و"المتوسطة" ـ حينها ـ في منزله بحي "النصر" في مدينة "دنقلا". وكان كريماً جداً. وكانت له حديقة في فناء المنزل يلتقي بها المعلمين الذين كان يمثل لهم الوالد أكثر من كونه مديراً للتعليم. وكانت تسود مجالسه تلك
الأستاذ/ فؤاد محمد عثمان شيخ
المناقشات العلمية ونقل الخبرة التربوية والتعليمية). ويصفه بقوله:( كان الأستاذ/ محمد أحمد جابر طويل البال، لا يبت في المشكلات إلا بعد تقصي وتروِّي، ولذلك كانت قرارته صائبة جداً. وكان معروفاً بكثرة العمل والاجتهاد فيه خدمةً للتعليم. كان في أوقات فراغه يذهب إلى مكتبه فيمكث فيه الأوقات الطويلة يكتب موجهاتٍ بمثابة "دليل العمل" لما ينبغي أن يقوم به مدير المدرسة في إدارته للمدرسة، أو "المُوَجِّه الفني" في توجيه المعلم، وذلك استناداً على تجاربه وخبرته الطويلة في التعليم. وبناءً على صنيعه ذلك استحدثت إدارة تعليم "المرحلة المتوسطة" في "المديرية الشمالية" نظام الـ
Master File الذي يلزم مدير المدرسة بتسجيل ملاحظاته وآرائه في العمل، تعميماً لفكرة وتجربة الأستاذ/ محمد أحمد جابر). وقال:( كان طويل القامة، وكان أباً لأبناء مدينة "دنقلا" جميعاً، وكان شاعراً فحلاً، كان ينتهز فرص الفراغ والمؤانسة لطرح أسئلة علمية أو اختبار آراء المعلمين في موضوعات مفيدة وشيِّقة. وكانت زياراته للمدارس متكررة وينتظرها المعلمون لفائدتها ولا يُشعرهم بالتعالي الإداري).  

عند وفاته أعلنت مدينة "دنقلا" حداداً أغلق فيه صديقه "صابر عبد الوهاب السيسي" متجره بسوق "دنقلا"، ورثاه بقصيدةٍ من نظمه كانت أسرة الراحل تحتفظ بها إلى وقت قريب. كما علَّقت دُور السينما ـ "سينما قرشي" و"سينما عمر أبو الحسن" عروضها.
صابر عبد الوهاب (شيخ تجار دنقلا)

وهو والد عدد من الرموز، منهم الأستاذ/ عبد المنعم، وأستاذنا (كمال جابر) الذي نوثق لسيرته بهذه الأسطر والأستاذة/ نجاة إحدى قيادات التعليم بالولاية..

وحينما كانت يتلقى العلاج بمدينة "القاهرة" بجمهورية مصر العربية فاضت روحه إلى بارئها، فنُقل جثمانه إلى مدينة دنقلا" ودفن بمقابر "قيامه" بحي "إرتدي"، وذلك في العام 1968م.

وثاني أبناء الحاج/ أحمد جابر هو "علي" والد "ميرغني" الذي اقترن اسمه بفرع شركة "سودانير" بدنقلا، ووالد" عبد الله" لاعب كرة القدم لنادي "الرابطة" بدنقلا...

وثالث الأبناء هو "جمعة" والد الأستاذ (صلاح جمعة) أحد قادة التعليم الأساسي بالولاية الشمالية..

ورابع أبناء الحاج/ أحمد جابر هو (عبده أحمد جابر)، وهو خريج "كلية غردون" قسم "الآداب"، زامل فيها من مشاهير "دنقلا" المربي/ محمد علي أحمد وهو أحد قيادات التعليم التاريخيين بـ "المديرية الشمالية".

وقد شغل (عبده أحمد جابر) وظائف سياسية عليا في السودان، فقد شغل منصب "ضابط إداري مدينة الناصر" في جنوب السودان. أما في الولاية الشمالية فقد كان "ضابط مجلس دنقلا"، وهي وظيفة تعادل حالياً درجة "معتمد محلية". وقد كانت "المديرية الشمالية" حينها تضم ثلاثة مجالس،
جعفر محمد نميري
هي: "مجلس دنقلا" و"مجلس مروي" و"مجلس عبري". وكانت مدينة "حلفا" تتبع حينها لرئاسة "الإقليم الشمالي" بمدينة "الدامر". ثم ترقى (عبده أحمد جابر) إلى درجة "مفتش" وهي درجة تمكن شاغلها من الإشراف على أكثر من "مجلس"، ثم ترقى عند مجيء حكم نظام "ثورة مايو" إلى درجة "محافظ الولاية الشمالية" التي شغلها لمدة بين عامي 1969م -1970م وبذلك فهو أول "محافظ" للمديرية الشمالية في عهد حكم "النميري" للسودان. ومما يؤثر عنه أنه أول من ركب السيارة نوع "فلوكسواجن" في المديرية الشمالية، وكان أهل المدينة يترقبون حركة السيارة كل صباح انبهاراً بها.

توفي سنة 1970م وهو يلقي خطاباً جماهيراً بمدينة "مروي" بمناسبة الذكرى الأولى لقيام "ثورة مايو" وذلك إبان أول زيارة للرئيس الأسبق "جعفر النميري" للولاية الشمالية. ونُقل جثمانه من مدينة "مروي" فدُفِن بمقابر "قيامه" بمدينة "دنقلا".

ولـ "عبده أحمد جابر" ابنٌ واحد هو (عاصم عبده أحمد جابر) المقيم بالمملكة العربية السعودية منذ أمد بعيد.
وللحاج/ أحمد جابر عدد من البنات تركن سيرة طيبة في مجتمعاتهن.
جمعة أحمد جابر

هناك تعليقان (2):

  1. ربنا يرحمهم ويتقبلهم.. ويحغظ اولادهم واحفادهم ويكملو السيره الطيبه

    ردحذف